في انتخابات بلا منافسة: قاضي الإعدامات عضو “لجنة الموت”.. رئيساً للجمهورية الإيرانية

إبراهيم رئيسي عام 1988 كان واحداً من القضاة الأربعة في “لجنة الموت” التي حكمت بإعدام آلاف المعارضين المعتقلين


عرف بمغالاته وتشدده داخل التيار المحافظ ومنعه حفلا موسيقيا عام 2016 .. وحالة خامنئي ترشحه ليكون خليفته


انحياز خامنئي له أفضى لاستبعاد عدد من أبرز منافسيه.. ومعهد واشنطن للدراسات وصف الانتخابات الإيرانية بأنها “محسومة” قبل أن تبدأ واديرت لإيصال شخص محدد

كتبت – ريهام الحكيم
فاز المرشح المتشدد ورئيس السلطة القضائية في إيران إبراهيم رئيسي المنحدر من مدينة مشهد التي تقع في شمال شرق إيران في إنتخابات الرئاسة الإيرانية التي جرت الجمعة 18 يونيو الماضي.
أعلن رئيس لجنة الانتخابات في إيران أن ابراهيم رئيسي (60 سنة) حصل على “أكثر من 17،8 مليون” صوت من أصل 28،6 مليون من أصوات الناخبيين، وحصل المحافظ المتشدد محسن رضائي على أكثر من 3،3 ملايين صوت، ثم الإصلاحي عبد الناصر همّتي بحوالي 2،4 مليون صوت، والمحافظ المتشدد أمير حسين قاضي زاده هاشمي على مليون صوت.
و بتسلمه مهام منصبه في أغسطس المقبل وسط تحديات أبرزها سوء الوضع الإقتصادي والعقوبات الأمريكية على طهران، سيكون إبراهيم رئيسي ثامن رئيس لإيران منذ اندلاع الثورة عام 1979، وسيخلف الرئيس الإصلاحي حسن روحاني الذي قضى فترتين في رئاسة البلاد.
وكان رئيسي ترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2017 ضد روحاني، لكنه فشل بعدما حصد 38 في المئة من أصوات الناخبين فقط.
الانتخابات الإيرانية خلت من المنافسة، بعد أن تم استبعاد الوجوه الإصلاحية والمعتدلة البارزة في السباق من قبل “مجلس صياغة الدستور” و الذي يسيطر عليه التيار المحافظ ، يضم 12 شخصا (نصفهم رجال دين والنصف الآخر من القانونيين)، يعين المرشد الأعلى للثورة الإسلامية نصفهم.
واستبعد “مجلس صياغة الدستور” مرشحين بارزين مثل الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، الذي كان يُتوقع أن يكون أبرز منافس لرئيسي، ونائب رئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري، ومحمود أحمدي نجاد الذي تولى رئاسة البلاد بين عامي 2005 و2013.
إبراهيم رئيسي قاضي الإعدامات
حصل إبراهيم رئيسي على شهادة دكتوراه في الفقه الإسلامي، وعمل في السلك القضائي عام 1981حتى أصبح مساعد النائب العام في طهران ولم يتجاوز عمره 25 عاما في ذلك الوقت. تولى منصب المدعي العام في مدينتي خرج و همدان.
وتولى رئيسي منصب المدعي العام للعاصمة طهران ، وهو المنصب الذي مهد السبيل له لعضوية “لجنة الموت” عام 1988. وفي ذلك الوقت، كان المرشد السابق للجمهورية الإيرانية أية الله خميني قد قبل خطة الأمم المتحدة لوقف الحرب بين إيران والعراق على مضض. وبعد توقف المعارك اجتاح آلاف المقاتلين من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة التي كانت تتلقى التمويل والتسليح من النظام العراقي – نظام صدام حسين- ، الأراضي الإيرانية انطلاقا من العراق في هجوم مفاجئ.
تمكنت الحكومة الإيرانية من صد الهجوم ، وقام النظام الإيراني بحملة واسعة لملاحقة ومطاردة كل من يشك في ولائه للنظام حيث جرت إعادة محاكمة للسجناء السياسيين والمقاتلين أمام ما عرف بإسم “لجنة الموت”.
وحكم بالإعدم على الآلاف من المعارضين – حوالي 5 آلاف شخص- بينما قال المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الجناح السياسي لـ”مجاهدي خلق” ان العدد تجاوز الـ30 ألفاً.
وخلال الفترة ما بين 2004 الى 2014 تولى إبراهيم رئيسي منصب النائب الأول لرئيس السلطة القضائية وأثناء ذلك انتخب عام 2006 عضواً في “مجلس خبراء القيادة” الذي يتولى مهمة تعيين المرشد الأعلى للثورة أو عزله. وتولى ايضا منصب نائب رئيس المجلس. كما تولى رئيسي إدارة واحدة من أغنى وأهم المؤسسات الدينية في إيران، وهي مؤسسة الإمام رضا والتي تحمل اسم “آستان قدس رضوی”، وتشرف على مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد الإيرانية.
ويعرف عن رئيسي تشدده ومغالاته في المواقف المحافظة في إيران مقارنة حتى مع بقية أنصار التيارالمحافظ، إذ منع حفلا موسيقيا في مدينة مشهد عام 2016.
من هو خليفة المرشد الاعلى علي خامنئي ؟
تكاد تكون إيران هي الدولة الوحيدة التي ينص دستورها على أن رئيس البلاد المنتخب شعبيا هو (الرجل الثاني) فيها، فالدستور الإيراني الفريد من نوعه في العالم يضع أبرز صلاحيات الرئيس السياسية والعسكرية والتنفيذية في يد المرشد الأعلى “الفقيه الديني الأعلى في البلاد” .

الدستور الإيراني تم وضعه عام 1979 عقب ثورة الخميني، وتم تعديله عام 1989. ومنصب “المرشد الأعلى”، كان قد استحدثه زعيم الثورة الإسلامية آية الله روح الله الخميني، انطلاقاً من نظريته للحكومة الإسلامية وحاجة الأمة لولي فقيه في زمن غيبة الإمام الغائب المهدي. على أن يكون لهذا الولي السلطة السياسية والدينية معاً.

وبقراءة سريعة للمواد المتعلقة بصلاحيات المرشد الأعلى في الدستور الإيراني وصلاحيات رئيس الجمهورية يظهر الفرق الشاسع بين الاثنين. فسلطة المرشد الأعلى وفقاً للمادة (110) تشمل : ( رسم السياسات العامة لنظام إيران – إعلان الحرب والسلام والنفير العام -تعيين أو إقالة رئيس قيادات القوات المسلحة والحرس الثوري الإيراني ، بالإضافة إلى صلاحية تنصيب وعزل وقبول استقالة كل من: فقهاء مجلس صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ، رئيس أركان القيادة المشتركة – توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب – صلاحية عزل رئيس الجمهورية بعد صدور حكم المحكمة العليا بمخالفته للدستور أو بعد تصويت البرلمان بعدم كفاءته – الموافقة على المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية قبل مشاركتهم في الانتخابات – إصدار العفو أو تخفيف عقوبات المحكوم عليهم بناء على اقتراح من رئيس السلطة القضائية – حل الخلافات بين أجنحة القوات المسلحة الثلاثة وتنظيم العلاقة بينها).
ونجح علي خامنئي – المرشد الثاني للجمهورية الإيرانية – في إنشاء شبكة من الأتباع المخلصين والممثلين له في كل فرع من فروع الحكومة، وجعل دوائر السلطة المرتبطة به أكثر قوة، ما جعله يمتلك السيطرة على كل قضية يتدخل فيها.
انحياز خامنئي في الانتخابات الأخيرة للمرشح إبراهيم رئيسي، أفضى إلى “استبعاد العديد من الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل من السباق” مثل علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني السابق، والذي قاد المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الإيرانية الأخيرة مع الصين. كما منع من الترشح نائب الرئيس إسحاق جهانجيري، الذي ابتعد عن الرئاسة على مدى السنوات الثماني الماضية، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي كان رئيساً لفترتين، وهو ما فُسر بأنه تهيئة لرئيسي ليصبح خلفاُ له.
يذكر أن خامنئي – البالغ من العمر 82 عاماً ويعاني من متاعب صحية – كان يتولى منصب الرئيس عندما توفي آية الله خميني عام 1989، وفي حال استمر رئيسي في منصبه لدورة رئاسية ثانية، فسيكون خامنئي إما قد توفي أو بات عاجزاً عن أداء مهامه وهو ما يفتح الفرصة لرئيسي الأوفر حظاً ليكون خليفة المرشد.
ولكن خلافة خامنئي لا تقف عند اسم رئيسي فقط ، فمجتبى خامنئي – ابن الزعيم الحالي علي خامنئي – يعد اسماً مطروحاً ولكن هناك عدة عقبات أمام مجتبى لخلافة والده، منها أنه ليس لديه سجل إداري رسمي في الدولة ، بالإضافة الى أن اسم مجتبى خامنئي يفتح نقاشات محتدمة حول تحويل ولاية الفقيه إلى ملكية وتوريث السلطة، وتحويلها من “الولي الفقيه الأصلح” إلى “الولي الفقيه بالوراثة”
مركزية القرار السياسي في عهد رئيسي
تضم المعادلة السياسية في إيران معسكر المحافظين الذي يعمل على تكريس الطابع الديني للسلطة، و معسكر الإصلاحيين والذي يدعو إلى التعددية السياسية والحريات والانفتاح السياسي والاجتماعي. و يعتبر معسكر المحافظين أن معركة إقصاء القوى الإصلاحية بالنسبة له معركة وجودية.
 أما الدولة العميقة – المتشكلة من النظام والمؤسسة العسكرية والأحزاب الأصولية – القائمة على تحالف بين المرشد والمؤسسة العسكرية والأمنية، تحديداً مؤسسة الحرس الثوري والتي لا تريد أن تسمح لأي طرف داخلي سواء كان من داخل التيار المحافظ أو من التيار الإصلاحي أن يعرقل المسار الذي يضمن مستقبل استمرارها في السلطة.
ولعل من أبرز المسائل التي تسعى اليها الدولة العميقة في إيران ، تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية والتحكم بها والإشراف الكامل على إدارتها ، لذا من المرجح أن تشهد حكومة الرئيس الجديد فصلاً واضحاً بين المسارات الداخلية والخارجية، بحيث يتولى الرئيس مهمة إدارة المؤسسات الحكومية والمسائل الداخلية، من دون أن يكون لها دور مؤثر في مسارعملية ترتيب اداوت النظام الإيراني في عملية التفاوض مع المجتمع الدولي والحوار المتوقع مع الإدارة الأميركية.
ويتزامن فوز إبراهيم رئيسي مع استمرار المفاوضات حول إنقاذ الإتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني بهدف إعادة الولايات المتحدة بعد إنسحابها منه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
اذن، ومن المتوقع ألا تلعب وزارة الخارجية في حكومة الرئيس الجديد دوراً محورياً أو أن تتمتع بهامش من الصلاحيات الواسعة نسبياً كالتي تمتع بها الوزير الحالي محمد جواد ظريف.  بل سيعمد رئيسي لإعادة مركزية القرار الاستراتيجي، وحصره في جهات محددة لا يكون لأي من طرف من خارج دائرته الفكرية والسياسية أن تؤثر فيه أو تغير من إتجاهاته كما كان الحال في عهد حسن روحاني الإصلاحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *