عيد ميلاده الثالث في السجن.. عن مأساة أحمد علام مع الحبس والمرض بتهمة “ممارسة الصحافة” (تقيلة دقة الساعات)

كتب- محمود هاشم


شمعة ثالثة يطفئها الصحفي الزميل أحمد علام، مطلا وحيدا على عامه الجديد من شباك زنزانة الحبس الاحتياطي، ليكمل ربيعه الـ36 محروما من أبسط معاني حريته، بينما ينهش المرض جسمه النحيل داخل محبسه، ليس لشيء سوى كونه صحفيا يمارس مهنته، بينما يعزي وأحبابه أنفسهم بأمل قريب في خروجه إلى النور، وإنهاء مأساته التي طال مداها.ترك علام – اضطراريا – مقعده شاغرا على طاولة الاحتفال بذكرى ميلاده، ليغيب مرة أخرى عن “لمَّة” أسرته وأصدقائه المعتادة، مستدعيا ​الأحزان التي لم تنقطع منذ تاريخ القبض عليه منذ الجمعة 24 أبريل 2020، منذ ذلك الحين طرقت الأسرة والأصدقاء كل باب ممكن على أمل المساعدة في خروجه، وتلقوا كثيرا من الوعود، تتبخر جميعها مع كل إعلان جديد عن قائمة إخلاءات سبيل تخلو من اسمه، بينما تجاوز بالفعل المدة القانونية للحبس الاحتياطي.”كل سنة وأنت طيب وحر، وحشتني قوي يا أكتر حاجة وجعاني وأكتر حاجة مبتتدواش، الحياة ملهاش معني من غيرك، تالت سنة ولسة الظلم باقي”، بهذه الكلمات هنأت إيمان علام شقيقها المحبوس احتياطيا بذكرى ميلاده، مجددة دعواتها المتكررة للسلطات المختصة بسرعة إخلاء سبيله.

يغلب الحزن على صوت إيمان بينما تغالب الدموع مستذكرة تفاصيل احتفالاتهم السابقة بعيد ميلاد شقيقها الأكبر بكثير من البهجة التي فقدت طريقها إلى منزل الأسرة في إحدى قرى مركز العياط بمحافظة الجيزة، منذ القبض عليه في الأيام الأولى من شهر رمضان، قبل 3 سنوات، في الوقت الذي يقضونه هذه المرة في التحضير لزيارة جديدة له في محبسه، لا يستطيع والداه حضورها بحكم ظروفهما الصحية، ولا يقدر أحمد نفسه على استقبالها نظرا لمعاناته الصحية والنفسية داخل زنزانته.

تقول إيمان لـ”درب”: “أحمد فقد كل معاني الحياة، ويعاني يوميا داخل مكان موحش لم يكن له أن يلقى به من الأساس، شقيقي صحفي يمارس مهنته وليس مجرما حتى يتم التعامل معه بهذا الشكل، بعد أزمته الصحية الأخيرة لم يعد يقوى حتى على الحركة والكلام، ما هو الذنب الذي ارتكبه حتى يعيش كل هذه المعاناة”.يقتل القلق شقيقه علام كل لحظة بينما تزوره أو تسأل عن أوضاعه داخل زنزانته، وتضيف: “طرقنا جميع الأبواب لطلب المساعدة في الإفراج عن شقيقي، ولن نمل من طرقها مرة تلو الأخرى حتى تكتب لأخي العودة إلى حريته التي تم حرمانه منها لسنوات، تلقينا وعودا كثيرة بخروجه لكننا كنا نفاجأ بتجديد حبسه بعد كل مرة، ماذا علينا أن نفعل كي تنتهي هذه المأساة”.في 25 يناير 2023، قررت محكمة جنايات القاهرة (دائرة الإرهاب) تجديد حبس علام على ذمة التحقيقات في القضية رقم 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة، وفقا لمحاميه محمد عيسى السروي، الذي كشف لـ”درب” عن تتقدمهم بالتماس إلى النيابة العامة، منذ أسبوعين، للمطالبة بسرعة إخلاء سبيله، بعد تجاوزه المدة القانونية في الحبس الاحتياطي.يؤكد عيسى أنه وأسرة علام تقدموا بأكثر من طلب للجنة العفو الرئاسي والمجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلا عن جميع الجهات المسؤولة، للمطالبة بسرعة خروجه، في انتظار الرد على أي من هذه الرسائل، مشيرا إلى أنه لم يتم ضبط أي أحراز بحوزة الصحفي، وأنه على الرغم من اتهامه بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن هناك أي مطبوعات لمنشوراته على “فيسبوك”، كما أن وكيل النيابة لم يفحص حسابه من الأساس، كما أنه المتهم الوحيد الذي ما يزال محبوسا على ذمة القضية حتى الآن.

يذكر أنه في 24 أبريل 2020 وبينما كان علام يقضي أول أيام شهر رمضان قبل الماضي مع أسرته في منزلهم بإحدى قرى العياط بمحافظة الجيزة، حضر عدد من قوات الأمن في الحادية عشرة ونصف من المساء، للسؤال عنه، قبل أن يدخلوا به إلى إحدى غرف المنزل، وصادروا هاتفه وهاتف شقيقته لاحقا. ذهول الأسرة وصدمتها مما حدث أعجز لسانها عن الحديث لوهلة، قبل أن يستفيقوا على قوات الأمن وهي تأخذ الصحفي الشاب إلى إحدى عربات الشرطة، بدعوى الحاجة لاستجوابه في أحد مقراتها على أن تفرج عنه لاحقا، ليكتشفوا بعد ذلك ظهوره في مقر نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس. 

شمل التحقيق مع علام في 27 من الشهر ذاته، سؤاله عن نشاطه وعمله الإعلامي والصحفي وعلاقته بإعداد فيلم وثائقي عن “ثلاثي أضواء المسرح”، كان من المقرر إذاعته في قناة الجزيرة الوثائقية، كما سألته نيابة أمن الدولة العليا عن مضمون ما جاء في تحريات الأمن الوطني حول انضمامه لجماعة إرهابية، قبل أن تأمر بحبسه 15 يوما على ذمة القضية رقم 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا.

وجرى بعد ذلك التجديد لعلام بشكل دوري من نيابة أمن الدولة العليا ثم بات يجدد له بعد 5 أشهر من الحبس أمام غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة بشكل دوري كل 45 يوما، وشملت التهم الموجهة للصحفي الشاب: نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والانضمام إلى جماعة إرهابية.

لم يتم ضبط أي أحراز بحوزة الصحفي، وعلى الرغم من اتهامه بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن هناك أي مطبوعات لمنشوراته على “فيسبوك”، كما أن وكيل النيابة لم يفحص حسابه من الأساس. 

المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أوضح أن هذه كانت المرة الوحيدة التي تم استدعاؤه فيها للتحقيق، ولم تواجهه النيابة بأي أحراز ومنشورات، في الوقت الذي تم إخلاء سبيل جميع المتهمين فيما عرف بواقعة “فيلم الجزيرة الوثائقية”، بينما أكد أعضاء في لجنة العفو الرئاسية تلقي اسمه من أكثر من شخص وأكثر من جهة، وعرض القضية على المختصين للنظر في شأنها. 

وبالإضافة إلى ظروف حبسه، يعاني علام أيضا من ظروف صحية سيئة، ومؤخرا، قالت أسرته إنها تلقت أنباء بشأن إصابته بخراج في الفم، أدى إلى حدوث مشاكل أخرى له في المعدة، نتيجة دخول الصديد إليها، في الوقت الذي لم يستطع المسؤولون عن عيادة السجن علاجه سوى بمضاد حيوي ومسكنات، بدعوى ضعف الإمكانيات، قبل إجرائه جراحة عاجلة في داخل مستشفى سجن وادي النطرون منذ أيام، في الوقت الذي لم يتم السماح لشقيقته بزيارته إلى حين عودته إلى محبسه في سجن القناطر.

في ديسمبر الماضي تم السماح لإيمان بزيارة علام، لتكتشف حينها أنه لا يستطيع الأكل أو الشرب حتى الآن، لاستمرار وجود صديد في الفك ما أدى إلى حدوث مشاكل أخرى له في المعدة أيضا، ويتم التعامل معه بالمحاليل عن طريق كانيولا، وهو الأمر الذي يزيد من معاناته داخل محبسه، وأضافت لـ”درب”: “شقيقي أجرى جراحة للعلاج من الصديد، وتم بالفعل استئصال جزء من فكه، لكن الصديد مستمر حتى الآن، ما أثار تخوفنا على صحته، ومدى حاجته لإجراء عملية أخرى”.

يذكر أنه في نهاية شهر يوليو الماضي، عقدت شقيقة علام قرانها وسط فرحة منقوصة لعدم استطاعته الحضور نتيجة استمرار حبسه احتياطيا، مكتفية برفع صورة تجمعهما معا، بينما حرص عدد من أصدقائه على تهنئتها ومواساتها، مع دعوات باكتمال فرحتها بخروجه قريبا.

وجاء اتهام علام – المعروف بعدم ممارسة نشاط سياسي ضمن أي كيان – بالانضمام إلى جماعة الإخوان، ليثير موجة من السخط، والحديث عن تلفيق اتهامات جاهزة للقبض عليه، ومن بينها إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من عدم تفاعله عبر حسابه على “فيسبوك” منذ فترة طويلة سابقة لتاريخ القبض عليه. 

وأحمد علام، صحفي ومعد تلفزيوني، عمل في العديد من المؤسسات الصحفية والإعلامية من بينها المصري اليوم، CBC، والأخبار والسفير اللبنانيتين، وموقع الغد، وجريدة الكرامة، كما أسس موقع بوسطجي، المعني بنقل مشاهدات حية للتفاعلات الاجتماعية السائدة في مناطق عدّة حول العالم، ونشر قصصا تعكس طبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية في القطرين المصري والعربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *