عواصف ترامب تضرب الداخل والخارج: أيام قليلة في الحكم تشعل انقسامات سياسية داخلية وتوترات دولية تهدد الاستقرار العالمي

كتب – أحمد سلامة

منذ عودته إلى السلطة قبل أيام قليلة، أشعل ترامب العديد من الأزمات الداخلية التي جعلت الولايات المتحدة أكثر انقسامًا من أي وقت مضى. بين الصدامات مع الإعلام والقضاء، وتصعيد سياسات الهجرة، والتوترات العرقية، والتدخل في القضايا الاجتماعية، يبدو أن ترامب مستمر في سياسته التصادمية التي قسمت الأمريكيين إلى معسكرين متضادين. وبينما يرى أنصاره أنه يعيد “أمريكا إلى عظمتها”، يخشى معارضوه أن تكون فترته الثانية أكثر اضطرابًا من الأولى، مما قد يترك تأثيرات طويلة الأمد على الديمقراطية الأمريكية.

أما على الصعيد الدولي فقد أعاد دونالد ترامب تأجيج الأزمات الدولية التي اتسمت بها رئاسته الأولى، مع توترات متزايدة في الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا، وآسيا. بينما يرى أنصاره أنه يعيد فرض “أمريكا أولًا” كسياسة خارجية حازمة، يرى خصومه أنه يتسبب في عزلة الولايات المتحدة عالميًا.. ومع استمرار ولايته الثانية، يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى ستؤثر هذه السياسات على مكانة أمريكا في النظام الدولي؟

🛑 ترامب في مواجهة العالم: خلافات دولية متصاعدة منذ عودته إلى البيت الأبيض  

في 20 يناير 2025، دخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليبدأ في سلسلة من الخلافات الدولية التي أعادت إلى الأذهان نهجه الصدامي خلال فترته الرئاسية الأولى (2017-2021). قراراته وتصريحاته المثيرة للجدل وضعت الولايات المتحدة في مواقف متوترة مع قوى عالمية كبرى، كما أعادت بعض الأزمات التي كادت أن تُنسى إلى الواجهة.  

– إعادة إحياء أزمة جرينلاند  

في خطوة أثارت استغراب المجتمع الدولي، أعاد ترامب في 2025 الحديث عن إمكانية استحواذ الولايات المتحدة على جرينلاند، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي تحت السيادة الدنماركية. هذه القضية سبق أن طرحها ترامب عام 2019، عندما أعلن رغبته في شراء الجزيرة بسبب موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية، إلا أن الدنمارك رفضت الفكرة بشدة آنذاك، واصفة إياها بـ”السخيفة”.  

مع عودته إلى السلطة، كرر ترامب الطرح مجددًا، متحدثًا عن ضرورة تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة القطبية لمواجهة النفوذ الروسي والصيني. لكن التصريحات قوبلت برد فعل حاد من رئيسة وزراء الدنمارك، التي أكدت أن “جرينلاند ليست للبيع”، وأن أي محاولة أمريكية لفرض واقع جديد في المنطقة ستُعد “انتهاكًا صارخًا للسيادة الدنماركية”. كما عبّرت حكومة جرينلاند المحلية عن استيائها، مشددة على أن مستقبل الجزيرة “ليس مطروحًا للتفاوض”.  

– التوتر التجاري مع الصين يعود من جديد  

منذ حملته الانتخابية، كان واضحًا أن ترامب لن يتراجع عن سياساته الاقتصادية العدائية تجاه الصين. في 2025، فرضت إدارته تعريفات جمركية بنسبة 10% على مجموعة واسعة من السلع الصينية، بحجة حماية المصانع والعمال الأمريكيين من “الممارسات التجارية غير العادلة”. جاء الرد الصيني سريعًا، حيث أعلنت بكين فرض تعريفات جمركية مماثلة على المنتجات الأمريكية، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات الزراعية، مما أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب التجارية التي اندلعت بين البلدين خلال رئاسته الأولى.  

الأزمة لم تتوقف عند الإجراءات التجارية، بل امتدت إلى المجالات التكنولوجية والاستثمارية. فقد فرضت إدارة ترامب قيودًا إضافية على الشركات الصينية العاملة في الولايات المتحدة، متذرعة بمخاوف تتعلق بالأمن القومي. من جهتها، اتهمت الصين واشنطن بمحاولة عرقلة تطورها التكنولوجي، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات لحماية مصالحها الاقتصادية.  

– خلافات مع الحلفاء التقليديين  

لم تقتصر المواجهات على الخصوم الدوليين، بل امتدت إلى الحلفاء التقليديين. فقد شهدت علاقات الولايات المتحدة مع دول أوروبا توترًا متزايدًا بعد أن طالب ترامب دول الاتحاد الأوروبي بزيادة إنفاقها الدفاعي ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهدد بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف ما لم تلتزم الدول الأوروبية بدفع “حصتها العادلة”، معتبرًا أن أمريكا تتحمل العبء الأكبر في تمويل الدفاع الأوروبي.  

بالإضافة إلى ذلك، أثارت سياسات ترامب بشأن تغير المناخ خلافًا حادًا مع الاتحاد الأوروبي. فقد أعلن انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، معتبرًا أنها “تضر بالاقتصاد الأمريكي”. وردت دول أوروبية كبرى، مثل فرنسا وألمانيا، بانتقادات شديدة، مؤكدة أن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها الدولية في مواجهة التغير المناخي.  

– ملف غزة والخطة المثيرة للجدل  

أحد أبرز الملفات التي فجّرت خلافًا دوليًا واسعًا كان اقتراح ترامب بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة. فقد أعلن في خطاب رسمي أنه يرغب في أن “تتولى الولايات المتحدة ملكية قطاع غزة وإعادة تطويره”، مع اقتراح إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى.  

قوبلت هذه التصريحات بموجة غضب عربية ودولية، حيث اعتبرتها الأمم المتحدة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وأكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن “أي نقل قسري أو ترحيل للأشخاص من أراض محتلة محظور تمامًا بموجب القانون الدولي”.  

الدول العربية، وعلى رأسها مصر وقطر، رفضت بشكل قاطع الخطة، وأكدت أن أي حل لمشكلة غزة يجب أن يكون عبر مفاوضات دولية تحترم حقوق الفلسطينيين، وليس عبر فرض سياسات أحادية الجانب. حتى داخل الولايات المتحدة، واجه الاقتراح انتقادات حادة من الديمقراطيين وبعض الجمهوريين المعتدلين، الذين اعتبروا أن الفكرة غير واقعية وستمثل كارثة دبلوماسية لواشنطن.  

– التصعيد مع أمريكا اللاتينية  

لم تسلم دول أمريكا اللاتينية من سياسات ترامب التصادمية. فقد فرضت إدارته تعريفات جمركية بنسبة 25% على بعض المنتجات الكولومبية، وهو ما قوبل بانتقادات واسعة من حكومة بوغوتا، التي اعتبرت القرار “غير مبرر ويضر بالعلاقات الثنائية”. كما فرضت عقوبات على دول مثل فنزويلا وكوبا، متذرعًا بـ”مكافحة الأنظمة الديكتاتورية”.  

أثارت هذه السياسات قلق الحكومات اللاتينية، التي رأت أن ترامب يسعى لفرض سياسة “الهيمنة الاقتصادية” على المنطقة. وعبر قادة مثل الرئيس البرازيلي عن استيائهم من نهج واشنطن الجديد، محذرين من أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تصاعد التوترات الإقليمية.  

🛑 ترامب وإشعال الجبهات الداخلية: أزمات متفاقمة منذ عودته إلى البيت الأبيض  

في أعقاب عودته، لم يضيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقتًا في إشعال سلسلة من الأزمات الداخلية التي أعادت الولايات المتحدة إلى أجواء الانقسام والتوتر التي شهدتها خلال ولايته الأولى (2017-2021). قراراته المثيرة للجدل، وخطابه التصادمي، وسياسته المتشددة تجاه العديد من القضايا المحلية، جعلت البلاد في حالة استقطاب حاد، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.  

-الهجوم على الإعلام والقضاء: معركة بلا نهاية  

منذ أيامه الأولى في السلطة، واصل ترامب هجومه الحاد على وسائل الإعلام، واصفًا بعضها بأنها “أعداء الشعب” ومتّهمًا إياها بنشر “أخبار كاذبة” بهدف تقويض إدارته. استخدم حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات يومية على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الكبرى مثل *نيويورك تايمز* و*سي إن إن*، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين البيت الأبيض والصحافة الحرة.  

ولم يقتصر الأمر على الإعلام، بل امتد إلى السلطة القضائية، حيث دخل ترامب في صدامات متكررة مع القضاة الذين عرقلوا بعض سياساته المثيرة للجدل، مثل القيود الجديدة التي فرضها على الهجرة. في أكثر من مناسبة، وصف القضاة بأنهم “منحازون” واتهم النظام القضائي بـ”عرقلة إرادة الشعب”، مما أثار ردود فعل غاضبة من الجمعيات الحقوقية والقانونيين الذين رأوا في تصريحاته محاولة لتقويض استقلالية القضاء.  

-الهجرة والجدار الحدودي: العودة إلى سياسات التشدد  

كان ملف الهجرة أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في ولايته الأولى، ومع عودته إلى البيت الأبيض، لم يتراجع ترامب عن نهجه المتشدد. فقد أصدر أوامر تنفيذية تقضي بتشديد القيود على الهجرة، وزيادة عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، مما أثار موجة احتجاجات واسعة في المدن الأمريكية الكبرى.  

كما استأنف مشروع بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، مخصصًا له ميزانية ضخمة، ومعتبرًا أنه “الحل الوحيد لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين”. أثارت هذه الخطوة خلافات حادة داخل الكونغرس، حيث عارض الديمقراطيون بشدة تخصيص أموال إضافية لهذا المشروع، معتبرين أنه “إهدار للموارد” و”يعكس سياسات معادية للمهاجرين”.  

-الاقتصاد والتضخم: سياسات محفوفة بالمخاطر  

في المجال الاقتصادي، ورغم تبنيه خطابًا متفائلًا، واجه ترامب أزمات متزايدة، خاصة فيما يتعلق بالتضخم وارتفاع الأسعار. جاءت سياساته الاقتصادية، مثل فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية، بنتائج عكسية، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية، مما أدى إلى استياء واسع بين المستهلكين الأمريكيين.  

كما أدى قراره بتخفيض الضرائب على الشركات الكبرى إلى تفاقم عجز الميزانية، مما دفع البعض إلى اتهامه بإغراق البلاد في أزمة اقتصادية طويلة الأمد. على الرغم من ارتفاع سوق الأسهم في بعض الفترات، إلا أن الطبقات المتوسطة والدنيا لم تشعر بتحسن اقتصادي حقيقي، مما زاد من حالة الغضب الشعبي.  

-قضايا العرق والتمييز: تصاعد الاحتجاجات  

لم تهدأ التوترات العرقية في الولايات المتحدة مع عودة ترامب إلى السلطة، بل ازدادت سوءًا بسبب تصريحاته وسياساته المثيرة للجدل. فقد اعتبرته العديد من الحركات الحقوقية، مثل *حياة السود مهمة* (*Black Lives Matter*)، رمزًا للسياسات العنصرية التي تؤجج الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي.  

في أكثر من مناسبة، أطلق ترامب تصريحات أثارت انتقادات واسعة، مثل مهاجمته للسياسات التي تدعو إلى “الإدماج العرقي” في المؤسسات الحكومية والجامعات، واعتبارها “تمييزًا ضد الأمريكيين البيض”. كما رفض الاعتراف بمشكلة العنف الشرطي ضد الأقليات، مما أدى إلى خروج احتجاجات واسعة في عدد من المدن الأمريكية.  

-الإجهاض وحقوق المرأة: قرارات مثيرة للجدل  

في خطوة لاقت معارضة واسعة من الديمقراطيين والمجموعات النسوية، دعم ترامب قوانين تقيد حق الإجهاض، معلنًا دعمه لحظر الإجهاض بعد الأسبوع السادس من الحمل في العديد من الولايات. هذه السياسات أثارت غضبًا واسعًا بين الناشطات الحقوقيات، حيث نظمت مسيرات احتجاجية ضخمة في واشنطن ومدن أخرى، رفضًا “للانتهاك الصارخ لحقوق المرأة”.  

-التغير المناخي: انسحاب من التزامات دولية  

واحدة من أكثر القرارات التي أثارت الجدل على المستوى الداخلي والخارجي كانت انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ. برر ترامب هذه الخطوة بأن الاتفاقية “تضر بالاقتصاد الأمريكي”، معتبرًا أن أولويته هي دعم صناعة النفط والغاز المحليين.  

لكن هذه الخطوة أدت إلى ردود فعل غاضبة من العلماء والناشطين البيئيين، الذين اعتبروا أن الولايات المتحدة “تتخلى عن مسؤولياتها في مكافحة الاحتباس الحراري”. حتى بعض الشركات الكبرى، مثل *تسلا* و*جوجل*، انتقدت القرار، معتبرة أنه يضر بالصناعة الأمريكية على المدى الطويل.  

-الهجوم على المجتمع الأكاديمي والتعليم  

لم يسلم قطاع التعليم من سياسات ترامب التصادمية، حيث انتقد بشدة المناهج الدراسية التي تروج لـ”الليبرالية”، مطالبًا بتعديلات جذرية تعكس ما سماه “القيم الأمريكية الحقيقية”. كما هاجم الجامعات الكبرى، مثل *هارفارد* و*ستانفورد*، متهمًا إياها بـ”تلقين الطلاب أفكارًا اشتراكية”.  

-محاولة فرض سيطرة على المؤسسات الأمنية  

أحد أكثر الملفات حساسية كان محاولته التدخل في عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA). حاول ترامب تعيين شخصيات موالية له في مناصب حساسة داخل هذه الوكالات، مما أثار جدلاً واسعًا حول استقلالية الأجهزة الأمنية، وأدى إلى انتقادات من داخل الكونغرس، وحتى من بعض الجمهوريين.  

🛑 التأثيرات المستقبلية لسياسات ترامب الداخلية والخارجية  

مع استمرار دونالد ترامب في تنفيذ سياساته المثيرة للجدل، داخليًا وخارجيًا، يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو مرحلة من التحديات العميقة التي قد تؤثر على استقرارها السياسي، ونسيجها الاجتماعي، ودورها على الساحة العالمية. فمن جهة، تؤدي قراراته الحادة والمتشددة داخل البلاد إلى انقسام غير مسبوق بين الأمريكيين، ومن جهة أخرى، تُضعف سياساته الخارجية تحالفات الولايات المتحدة التقليدية، مما يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمي بطرق غير متوقعة.  

أحد أبرز التحديات التي قد تواجه الولايات المتحدة في المستقبل القريب هو تزايد حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي. فمنذ توليه السلطة، تبنى ترامب خطابًا تصادميًا مع المعارضة الديمقراطية، ومع المؤسسات الإعلامية، ومع حركات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، مما أدى إلى تعميق الفجوة بين مكونات المجتمع الأمريكي. إذا استمرت هذه السياسات دون محاولات للتقريب بين التيارات المختلفة، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تصاعد في الاحتجاجات، وربما موجات جديدة من العنف السياسي والاجتماعي.  

الملف العرقي، الذي شهد تصعيدًا كبيرًا خلال فترة حكمه، قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين الفئات المختلفة، خصوصًا مع استمرار ترامب في تجاهل مطالب الحركات الحقوقية، مثل “حياة السود مهمة”، ودعمه لسياسات تعزز التفوق العرقي للأغلبية البيضاء، ولو بشكل غير مباشر.. هذا قد يؤثر سلبًا على التماسك الاجتماعي، ويؤدي إلى اضطرابات متكررة، خاصة في المدن الكبرى التي تضم مزيجًا متنوعًا من الأعراق والثقافات.  

الاقتصاد الأمريكي، من جهته، ورغم أنه قد يستفيد على المدى القصير من سياسات خفض الضرائب التي يتبناها ترامب، إلا أن التوترات التجارية التي أشعلها مع دول مثل الصين، وإلغاء بعض الاتفاقيات الاقتصادية الدولية، قد تؤدي إلى اضطرابات اقتصادية على المدى البعيد.. ارتفاع التضخم وزيادة الدين العام قد يضغطان على الإدارة الأمريكية القادمة، مما يضعف قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على موقعها كأكبر اقتصاد عالمي.  

وعلى الصعيد الدولي، يبدو أن سياسة ترامب القائمة على “أمريكا أولاً” قد بدأت تُضعف التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، خصوصًا مع انسحابه من اتفاقيات دولية رئيسية، مثل اتفاقية باريس للمناخ، وتخفيض التزامات بلاده تجاه حلف الناتو، وإعادة تقييم العلاقة مع الأمم المتحدة.. هذا النهج قد يؤدي إلى تراجع نفوذ واشنطن، ويفتح المجال أمام قوى أخرى، مثل الصين وروسيا، لتعزيز مكانتها على المسرح العالمي.  

إحدى أبرز الأزمات التي أثارت جدلًا عالميًا كانت قضية جزيرة جرينلاند، حيث طرح ترامب مجددًا فكرة شراء الجزيرة من الدنمارك، وهو ما قوبل برفض قاطع من الحكومة الدنماركية، وأثار استياء واسعًا بين حلفاء واشنطن في أوروبا. هذه الخطوة، التي بدت للبعض وكأنها “إعادة لإحياء الاستعمار”، عمقت الفجوة بين الولايات المتحدة وشركائها التقليديين، وعززت من الانطباع بأن إدارة ترامب تفتقر إلى الفهم الدبلوماسي العميق في التعامل مع القضايا الدولية الحساسة.  

أما في الشرق الأوسط، فإن سياسة ترامب القائمة على دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، ومحاولة فرض حلول أحادية الجانب على الفلسطينيين، مثل مقترح “نقل سكان غزة”، قد تؤدي إلى تصعيد جديد في النزاع العربي-الإسرائيلي، مما يهدد الاستقرار الإقليمي. كما أن تراجعه عن دعم بعض الحلفاء التقليديين في المنطقة، مثل السعودية، وتبنيه موقفًا أكثر تقلبًا تجاه إيران، قد يجعل الولايات المتحدة تفقد الكثير من تأثيرها في الشرق الأوسط لصالح قوى أخرى.  

وفي آسيا، يؤدي نهجه التصعيدي مع الصين، وفرضه لعقوبات اقتصادية جديدة، إلى تعزيز النزعة القومية داخل بكين، مما قد يدفعها إلى اتخاذ خطوات أكثر عدائية، سواء في ملف تايوان، أو في توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري عالميًا.  

إذا استمر ترامب في سياساته الحالية دون تقديم تنازلات، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام أزمة هوية داخلية.. وخارجيًا، فإن فقدان الولايات المتحدة لموقعها القيادي على المسرح العالمي قد يجعلها أكثر عزلة، ويضعف من قدرتها على التأثير في القرارات الدولية الكبرى، ووسط عالم يتحرك بسرعة نحو التعددية القطبية، فإن السياسات الأحادية التي يتبناها ترامب قد تؤدي إلى نهاية عصر الهيمنة الأمريكية، وظهور نظام عالمي جديد تلعب فيه قوى مثل الصين وروسيا وأوروبا أدوارًا أكثر تأثيرًا.  في النهاية، فإن الإرث الذي سيتركه ترامب، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، سيعتمد بشكل كبير على مدى استمرارية سياساته، فإذا لم تتمكن الإدارات من تصحيح المسار، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحديات غير مسبوقة تهدد مكانتها العالمية واستقرارها الداخلي لعقود قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *