عشر سنوات على ثورة يناير.. أحمد سعد يكتب:عن أصدقائي والحلم الباقي.. «وأعدوا للمستقبل ما استطعتم من ذكريات»

– ليه مش هتنزل معانا المظاهرات؟!

= لأن مفيش ثورة بتتحدد بميعاد.. الثورة تحرك عفوي

○ ساعات قبل «التحرك الجديد».. تبدأ الأمور بحُلم غير عقلاني.

القاهرة – 24 يناير 2011

على المقهى الذي اعتدنا الجلوس به التقينا، تشكيلة من المنتمين إلى الطبقة الوسطى، مهندسون ومحاسبون وصيادلة وأطباء وصحفيون وحتى ضباط.. لم يكن الحديث سوى عن ما يمكن أن يشهده الغد، كانت أقصى أمنيات السواد الأعظم من “الشِلة” أن يشهد 25 يناير تحركًا جماهيريًا قويًا يثبت فقط أننا.. أحياء.

كنا نتحدث وفي خلفية مناقشتنا سؤال يراودنا “لما لا يحدث بمصر كما حدث بتونس؟!”، لقد حدث الأمر في دولة تشبهنا على يد شعب يشبه شعبنا ونظام يشبه في قمعه نظامنا.

لكن ما أثار دهشتنا جميعًا أن أحد الأصدقاء رفض فكرة المشاركة، كان الأمر مُستغربًا بالنسبة لنا.. فهذه كانت الدعوى الأكثر شعبية للتظاهر منذ إضراب المحلة.

كان صديقي يرى أن “الثورات” هي تحركات عفوية لا يجوز معها تحديد “زمكان” أو إطلاق دعوات عبر مواقع التواصل.

ربما أصاب صديقي جُزءًا من الحقيقة، لكنه لم يلحظ أن مواقع التواصل وتحديد زمان وأماكن التظاهر هو عنصر مفاجئ لم يسبق أن تم استخدامه في معركة ضد السلطوية، وربما هذا ما قد يرجح كفتنا صباح الغد.

«التجديد في التحرك» هو نقطة الانطلاق، لا يمكن أن تهزم “نظامًا قديمًا” بذات الوسائل القديمة التي كنت تلعب بها.. تلك الوسائل التي بنى القمع أساليبه الدفاعية على أساس أبعادها وما يمكن أن تصل إليه فيجهضها بضربات استباقية.

☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆

– طب وبعدين.. هنفضل كدا لحد إمتى؟

= هييجي يوم وننتصر

– انت بتحلم!

○ مساحة زمنية.. ضرورة «الدفع لأسفل» انتظارا للحظة الحقيقة.

القاهرة – ٢٤ يناير ٢٠٢١

“الثورة فشلت.. دي الحقيقة اللي لازم نعترف بيها”، ربما كان في قوله قدرا من المنطق، فمن الصعب على كائن من كان أن يقنع شخصا بأن تحركا ما قد نجح في الوقت الذي يقبع فيه كثيرا من رموز الحراك خلف القضبان.

ليس من اليسير ابتلاع تصدر قادة “النظام القديم” للمشهد حتى ولو كانوا في ثوب جديد.. ليس من السهل مرور نفس السياسات أمام أعيننا مرور الكرام، دون أن يخالجنا شعور بمرارة الهزيمة.

لكن، هل كان اعتلاء الثورات المضادة في الفترات التي أعقبت التحركات الجماهيرية بالعالم كله أبديًا؟.. هل كانت عودة الأنظمة القديمة لفترات حائلا دون تحرك المجتمعات إلى الأمام؟.

يخبرنا التاريخ، وبخاصة الحديث منه، أن عودة الثورة المضادة يكاد يكون “وضعا طبيعيا” في أعقاب الثورات.. الأمر يرتبط عادة بـ “عدم استعداد” الثوار لإدارة دفة الأمور، خاصة في الثورات الشعبية.

ليس تصاعد الثورات المضادة جراء قوة من “الأنظمة القديمة”، فلو كانت تلك الانظمة القديمة بهذه القوة لما كانت الثورات قامت بالأساس.. لكن ذلك التصاعد هو نتاج ضعف الأنظمة الوليدة التي غالبا ما تكون في تلك اللحظة بحاجة إلى “حضّانة خبراتية”، وكل وليد يبدأ ضعيفا.

تحتاج الثورات إلى “مساحة زمنية” من أجل تغيير التكنيك من “الدفع لأعلى” إلى “الدفع لأسفل”، من “المقاومة” إلى “السيطرة”.. من شجاعة الرفض إلى حنكة الإدارة.

الآن، وبينما نعبر سويًا تلك “المساحة الزمنية” فإن علينا أن نتساءل عن الخبرات التي اكتسبناها من أجل «الدفع لأسفل» انتظارا للحظة الحقيقة.

☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆

– جبتلي الكوتشي؟

= آه

– تمام نتقابل على القهوة ونتحرك من هناك.. سلام

○ في الذكرى حياة.. فأعدّوا لهم ما استطعتم من الذكريات.

القاهرة – 25 يناير 2011

لست من هواة ارتداء الأحذية الرياضية نهائيًا، لذلك قررت الاستعانة بصديق واقتراض أحد أحذيته.. في غمرة مزاحنا قلت له “لو نجحت الثورة هحتفظ بالكوتشي دا وهحطه في صندوق إزاز”.. التقينا على المقهى، الجميع اتخذ استعداداته، الحقائب على ظهورهم تثبت ذلك، و”الكوتشي” الذي ارتديته كذلك.

ولأننا من حي “عين شمس” فقد كانت أقرب نقطة تظاهر في ميدان المطرية، قررنا أن نسير بعد أن اختفت تماما كل وسائل المواصلات.. في الميدان انتابنا الإحباط حين رأينا “العدد القليل” الذي تجمع، تثاقلت خطواتنا، لكننا برغم ذلك دخلنا وسط المتظاهرين – لم نغضب بعد سنوات حين علمنا أن تجمع المطرية ما هو إلا “تجمع وهمي” لتضليل قوات الأمن.

ساعات من الهتاف المتواصل، وصلتنا بعدها أنباء بأن “تظاهرة ضخمة” يشهدها محيط ميدان التحرير، حاولنا الخروج من تظاهرة المطرية للاتجاه إلى التحرير، فحاول الأمن في المقابل منعنا.. أسفر الأمر عن اشتباكات أفلتنا منها إلى أحد الشوارع الجانبية ولم ينقذنا سوى صديق فوجئنا بحضوره من أجل اصطحابنا بسيارته إلى أقرب محطة مترو أنفاق.. لنتجه جميعا إلى محطة “جمال عبدالناصر” بعد أن علمنا أن معظم من يخرجون من محطة “السادات” يُقبض عليهم.

وصلنا “التحرير”.. ساعات طويلة من الهتاف، والاشتباكات، والكر والفر.. رغم كثافة قنابل الدخان رأيت وجوهٌا لم أكن أتخيل أن ألقاها في الميدان، أصدقاء ظننت أن الإحباط أكل قلوبهم، أقارب أكبر سنًا وأصغر كنت أخفي عنهم مشاركتي لكي لا يبلغوا أسرتي فينتابها القلق وكانوا يعاملونني بالمثل!.. لكن الوجه الأغرب كان صديقي الذي رفض المشاركة في التظاهرات “لأن مفيش ثورة بميعاد مسبق”.. وللحظ العثر فقد كان أول من تم اعتقاله.

مازلت أذكر كل لحظة في ذلك اليوم والـ 18 يوما التي تلته، مازلت أذكر ما فعلته وفعله أصدقائي، تلك “الذكريات” التي أحفظها مع جيلي تمثل “كرابيج” تجلد ظهور أعداء الحريات وأنصار الثورة المضادة، ليس فقط لما وقع حينذاك، ولكن لأن استمرارها في العقول والقلوب يعني استمرار المقاومة ورفض الاستسلام رغم كل محاولات الضغوط المستميتة.. فاستذكروا الثورة وأعدّوا لأعداء الحريات ما استطعتم من «الذكرى».

إن التاريخ هو المحرك للمستقبل، وما دمت تحتفظ بذاكرة تاريخك حية يقظة فاعلم أنك تسير إلى الأمام.. مازلت أحتفظ بذكرياتي وبـ”الكوتشي”.

☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆

– من قادوا ثورة يناير هم شباب مخلصون يتطلعون لمستقبل أفضل

= تمام

○ لن يبدأ التغيير إلا بمناقشة الفكرة.. تلك هي الحقيقة

القاهرة – 25 يناير 2021

صباحًا، طالعت خبر القبض على أحد رسامي الكاريكاتير المشاهير، تساءلت عن الأسباب لكنني كنت أعلم أن الأسباب لن تختلف كثيرا عن الأسباب التي كانت غطاء للقبض على غيره.

كان ذلك الرسام كغيره ممن شاركوا في ثورة يناير، يحلم بمستقبل أفضل، لم يتحقق ذلك حتى لحظة القبض عليه.

فتحت حسابي على موقع التواصل الاجتماعي، شاهدت خليطًا بين صور المتظاهرين في الميدان في 25 يناير 2011 وبين رسام الكاريكاتير المقبوض عليه في 25 يناير 2021.. غزا روحي الحنين إلى أفضل 18 يومًا عشتها، وآلمني استمرار عمليات القبض الجارية من لا يمتلكون إلا أصواتهم وأقلامهم.

ألقيت بهاتفي إلى جانبي، وأمسكت بـ”ريموت التلفزيون”، أتنقل بين القنوات الفضائية، توقفت عند تصريحات لمسئول كبير أكد فيها أن من قاموا بثورة يناير هم شباب مخلصون يتطلعون لمستقبل أفضل.. أومأت برأسي قائلا “نعم، صدقت”.

أغلقت التلفاز وسرت إلى مكتبتي أبحث عن كتاب، وقعت عيني مصادفة، على كتاب “سيكولوجية الجماهير”.. تناولته وبدأت أقرأ منه “إن التغيير يبدأ بمناقشة الفكرة”.. أغلقت الكتاب ووضعته في مكانه، أغمضت عيني وقررت أن أستعيد ذكريات ثورة يناير لتبقى حية بداخلي.. قد يكون ما مكننا من إسقاط شخوص النظام القائم حينذاك، هو أننا تناقشنا في «فكرة التغيير» قبل أن نبدأ في الحركة، إن النقاش في حد ذاته قد يكون مقدمة لشئ ما.. لكن يجب أن يصاحبه أمور أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *