عبد المجيد المهيلمي يكتب: في الكرة (2)

ظلت الهتافات تتعالى في المدرجات، وصاحت الجماهير: “النص نص لا.. الربع ربع آه”، في إشارة واضحة لتصريحات كان قد أدلى بها المسؤول الإداري الأول منذ فترة، أكد فيها: “أنه لا يعرف عمل أي شيء نصف نصف”.
وبعدما زادت القروض لتمويل التوسعات والتجديدات بشكل مقلق، وتخطت الديون كل الحدود الآمنة، وبات مستقبل المنتخب في مهب الريح، نبهه البعض إلى خطورة الاستدانة بهذا المعدل، فرد عليهم بعفوية: “أأنتم أحسن من برشلونة؟!” ألهم ذلك الرد السحري الأرزقية من حوله على البحث عن أكبر الإخفاقات والهزائم بالتاريخ الكروي في شتى بقاع المعمورة ليتم مقارنة نتائج المنتخب بها والقياس عليها. والحقيقة أنهم قاموا بذلك بهمة لا تكل ولا تمل. فقيل إن فريقًا ما انهزم على أرضه أيام سيدنا عكروت 19 مقابل لا شيء، وأقصى هزيمة لنا كانت 9 – صفر، أي بفارق 10 أهداف. أليس ذلك إنجازًا حقيقيًا يا متعلمين؟!

كما اجتهدوا بعبقرية فذة لفك الارتباط بين المقدمات والنتائج، ولَيّ أبسط مبادئ المنطق (الأمر الذي جعل أرسطوطاليس بالتأكيد ينتفض ويتقلب بعنف في قبره). فأفادونا أن النتائج دائمًا وابدا من عند الله، ولا علاقة لها البتة بما يقوم به ابن آدم من أفعال. وعليه فإن الهزائم والخسائر والديون وغرق الجنيه ولعنة الله كانت ستصيبنا ستصيبنا ما في ذلك من أدنى شك، حتى لو لم نبن المقصورة الذهبية والقاعة المخملية (الذي قيل إن بناءهما تم للجماهير وليس لأحد غيرهم). فماذا نقول والحقد والجُحد يملأ قلوب الناس؟!

واتهموا الجمهور بأن قالوا: “إن المشكلة عامة لدى كل الفرق بالعالم”. انظروا إلى كلوب ونتائج الليفر في بداية هذا الموسم، هزيمة تلو الهزيمة، ومن فرق مرشحة للهبوط إلى دوري الدرجة الأولى الإنجليزي. حتى فخر مصر والعرب (مو صلاح.. مو صلاح.. رانينج داون ذي وينج.. صلا.. لا.. لا.. لا.. ذي إجيبشن كينج) معدل تسجيله للأهداف أقل كثيرًا عن معدله المعتاد في السنين الماضية. فأحسن المدربين واللاعبين بأقوى دوري في العالم يمرون بفترات عصيبة. ونحن في شدة وستزول، لكن اصبروا شوية كمان لتروا العجب العجاب (وكأننا لم نره بعد!)، وسنعود بإذن الله تعالى إلى أفضل مما كنا عليه، وسنعبر كما عبرنا من قبل شريطة الوقوف وقفة رجل واحد وراء مدربنا الحكيم مهما مني فريقنا بالهزائم المذلة، ومهما كانت نتائج المباريات مفجعة. فلا يجب أبدًا فقدان الأمل ولا إيمانكم بالله (أستكفرون كمان؟!)، كما يردد على أسماعنا رفقاؤه ذو اللحى الكثة البيضاء الذين لا يخرجون أبدًا عن طاعة أي مسؤول.. مهما كان ناجح، فاشل، فاجر، فاسق، خاسر، خاذل لا يهم.

وعلى الرغم من هزائم المنتخب المتتالية، فإن هناك شريحة من الناس مازالت تردد كالببغاء صباحًا ومساًء: “يكفينا ما حققه من نصر مبين على فريق الأشرار. فمن حقه إلى أبد الدهر أن يفعل ما يشاء في كل واحد منا.. وكل الأوضاع حلال! وإذا اعترض متفرجو الدرجة الثالثة قائلين: “هذا لا يصح.. فهناك أطفال دون سن الزواج قد يشاهدون المباريات المذاعة على الهواء مباشرة على كافة القنوات”. فيرد البهاليل في نشوة عارمة: “ما دام هو متكيف.. فعليكم أن تنبسطوا وتستحملوا.. ألا تحبون منتخبكم.. ولا إيه؟! أتعرفون مصلحته أكثر منه؟! ألم يخبرنا، في أكثر من مناسبة، أن مدربين أقوى الفرق وأكبر الأندية في العالم على اتصال دائم به يلتمسون منه النصيحة!”. كما قامت باتهام الجمهور بنكران الجميل، وتصيد الأخطاء، والاعتراض على الفاضي والمليان!
إن أداء الفريق بشكل عام ضعيف للغاية.. ومستواه في تدهور مستمر.. وروحه المعنوية منخفضة جدًا.. ووضعه يتجه من سيء إلى أسوأ.. فقد دخل مرحلة الأهداف العكسية.. وباتت الأهداف التي يسجلها في مرماه، أكثر من الأهداف التي يهز بها شباك خصمه.

وإذا كانت الخسارة التي تعلم مكسب، كما يقال، فلا يبدو أن أحدًا قد اتعظ من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها مدربي المنتخب السابقين، أو تعلم الدرس من المصادمات التي حدثت خلال الاحتجاجات التي عمت المدرجات، واستمرت 18 ساعة متواصلة حتى تم إزاحة الجهاز الإداري السابق للفريق. لقد ضاع الحلم الذي راود المشجعين منذ فوز المنتخب بالكأس عام 2011 بعد أكثر من ثلاثين عاما من المعاناة.
انحنى ظهر العجوز وأشرفت على الموت، وقالت والألم يعتصر قلبها: “ليته عمل بنصيحتي”. وأضاف رجل يتسم بالوقار كان يقف بجوارها: “في كرة القدم، كما في الحياة، لن تذهب بعيدًا إلا إذا اتقنت التسديد في مرمى الخصم، وعرفت كيف تسجل الأهداف”.

إن قدرة مؤخرات المتفرجين على التحمل أكثر من ذلك مشكوك فيها. فالكل يعلم أن زمن المباراة قد امتد أطول كثيرًا مما هو مقدر له… وأن المدرجات متهالكة تمامًا وغير مريحة.. يصعب بل يستحيل الجلوس عليها لفترة أطول من الوقت الأصلي.. والمشاهدون تململوا ينتظرون بفارغ الصبر صافرة الحكم معلنة انتهاء المباراة..

الصدمة كبيرة من أداء الفريق الباهت
فالشباك تهلهلت.. والحزن مخيم.. والجو العام مشحون للغاية
والأحلام تكسرت.. والإحباط مسيطر على الجميع
والرؤية غائبة.. والمشاكل تبدو مستعصية
والفجوة بين الجهاز الإداري والجماهير اتسعت بشكل خطير
والتخبط والاستعجال والعشوائية في كل مكان
والاحتقان على آخره.. والخوف يلف الجميع
والقلق في أعلى مستوياته
والغضب يتصاعد يوما بعد يوم
والكل الآن في حالة ترقب
والانفجار آت لا محالة
ولحظة هجوم الجماهير على الملعب وشيكة.

***

بعد مائة عام

كتب أحد مؤرخي اللعبة المشهود له بالأمانة وعمق التحليل عن تلك الحقبة: “من الواضح أن جُل اهتمام المسؤول الأول كان ترك بصمة على الأرض تتمثل في بعض الأبنية الشاهقة الفاخرة لا غير.. بعضها مفيد، ومعظمها للتباهي والتفاخر. فلم يول أهمية تذكر بإعداد فريق قوي من النشء قادر على التغلب على تحديات المستقبل، والنهوض بالفريق القومي إلى مستوي أقوى الفرق الدولية الأخرى، وهو ما كانت جماهير المشجعين الغفيرة تأمله عندما أجلسوه على كرسي القيادة”.

تحذير مهم:
يحذر الخبير الكروي الكبير كاتب هذا المقال الخيالي والذي قبله من الشط والربط مما جاء بهما مع أي أحداث و/أو أشخاص حقيقية. فمسؤولية هذا الفعل تقع بالكامل على القارئ وحده ولا على أحد سواه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *