ريهام الحكيم تكتب: العراق.. الانتخابات البرلمانية بين العملية السياسية والأمنية

في خطوة جديدة, حدد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي يوم السادس من يونيو من العام القادم 2021 موعداً لإجراء الانتخابات العامة البرلمانية المبكرة في العراق بحضور مراقبين دوليين, في كلمة متلفزة مفادها  “سنعمل بكل جهودنا على إنجاز هذه الانتخابات وحمايتها وتأمين مستلزماتها” الأمر الذي بدا وكأنه محاولة للوفاء بالتعهدات التي أطلقها  بعد تسلمه منصبه في 6 مايو 2020.

الكاظمي – في توقيت غير منتظر –  يعلن عن انتخابات برلمانية جديدة, بين الاستجابة لمطالب الشارع العراقي ومكايدة خصومة السياسيين والذي اتهمهم في وقت سابق بعرقلة عمله.

محمد الحلبوسي رئيس البرلمان دعا إلى عقد جلسة طارئة وعلنية للرئاسات والقوى السياسية، للمضي بالإجراءات الدستورية، لإجراء انتخابات في موعد أبكر من الذي دعا إليه الكاظمي .

المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت استعددها لإجراء الانتخابات في الموعد الذي حدده الكاظمي حال انتهاء البرلمان من تمرير قانون الانتخابات بنسخته الاخيره.

تحالف ” فتح” أكبر الكتل السياسية النيابية داخل البرلمان رحب بفكرة الانتخابات المبكرة.

إجراء انتخابات مبكرة هو أحد أبرز المطالب الرئيسية للانتفاضة الشعبية الأخيرة التي انطلقت في شوارع العاصمة بغداد ومدن ومحافظات وسط وجنوب العراق اكتوبر 2019والتي استمرت شهوراً تندد بالطبقة السياسية داخل البرلمان, متهمين تلك النخبة السياسية التي حكمت العراق منذ  2005 –  جاءت مع الغزو الأمريكي للعراق – بنشر الفساد والمحسوبية وتبني الخطاب الطائفي وتعدد القرار الأمني وفوضى الميليشيات.

ولا يزال على البرلمان العراقي التصديق على قانون الانتخابات و قرار حل البرلمان الحالي – موافقة 166 نائباً من أصل 329 نائباً – وهى مساءلة جدلية تفتح التساؤلات حول صلاحيات رئيس الوزراء القانونية والدستورية في الإعلان عن موعد لإجراء انتخابات مبكرة.

المادة 64 من الدستور العراقي والتي حددت خطوات حل البرلمان بتقديم طلب من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية, ثم يحول الأمر إلى مجلس النواب للتصديق والموافقة بالأغلبية المطلقة، أو بطلب من ثلث أعضاء البرلمان ويحتاج ايضا للتصويت  – 166 نائب – بالأغلبية المطلقة.

 اذن الكاظمي لا يمتلك الصلاحية لحل البرلمان الحالي بل البرلمان هو من يملك تلك الصلاحية.

العملية السياسية

وبالرغم من تعدد الأحزاب السياسية داخل العراق ولكن الواقع يفرض عدم وجود بنية حزبية حقيقية بقواعد لاتخاذ قرارات جماعية موحدة والتزام الأعضاء بها, بعضاً من القوى السياسية تعمل على إجهاض خطوة الانتخابات خوفاً من فقدان مقاعدهم في الانتخابات القادمة بعد ان أظهر الشارع العراقي حجم السخط الشعبي من اداء هؤلاء السياسيين – المتهمين باستغلال ثروة العراق النفطية للتربح لأنفسهم – طيلة سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

وبين مرحب ومتشكك, وقف الثوار في ميادين التظاهر في جدلية المشاركة او المقاطعة, فالانتخابات المبكرة ينقصها بعض التعديلات في قانون الانتخابات الحالي ليضمن نزاهة العملية الانتخابية, وتغيير المفوضية العليا للانتخابات والتي اتهمها المتظاهرين بالانحيازو المحكمة الدستورية الغير مكتملة النصاب بالاضافة لوجود سلاح منفلت في الشارع يهدد بتقويض العملية السياسية بأكملها.

شباب الانتفاضة العراقية لم يمارسوا العمل السياسي, وهم الساخطين على كل ما ينتمي للاحزاب السياسية التي أسسها الاحتلال الأمريكي بعد 2003, تلك الأحزاب فاقدة للمصداقية لدى المواطن العراقي بسبب عدم قدرتها على حلّ المشكلات والأزمات الناشئة عن إسقاط مؤسسات الدولة العراقية وحلّ أجهزتها المهمة وتسرب الخراب إلى الأجهزة غير المنحلة بسبب الفساد واقصاء الكفاءات ، ما جعل معظم العراقيين يعيشون حالة من اليأس تجاه العملية السياسية ولجوء للاحتجاج والتظاهر.

وكانت نسبة المشاركة في الاقتراع في آخر انتخابات ( برلمان 2018 ) وصلت إلى 44.5 % – انتخابات شابها العديد من التهم بالتزويروالانتهاكات التي تشكك في شرعيتها – واتسمت بانخفاض استثنائي في بعض المناطق الشيعية الفقيرة في الجنوب. ويقول كثير من العراقيين إنهم لا يثقون في النظام الانتخابي العراقي. ” رويترز”

قتل المتظاهرين

وهى القضية الأبرز في الثورة العراقية – اكتوبر 2019 – من حيث الاتهام للقوات الأمنية الحكومية وميليشات تنتمي لفصائل الحشد الشعبي, بالضلوع في عمليات اغتيال بحق متظاهرين سلميين – أرقام رسمية 560 شهيد وغير رسمية 800 شهيد – كان اخرها حادثة اغتيال 4 من المتظاهرين في ميدان التحرير وسط بغداد يوم الاثنين 27 يوليو الماضي.

اغتيال النشطاء في ميدان التحرير الاثنين الماضي رفع اسهم الغضب على الكاظمي والذي سرعان ما توعد بالكشف عن اسماء المتورطين في تلك الحادثة و بعد ثلاثة ايام قام وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي بالكشف عن  أسماء المتهمين  وهم ” الرائد أحمد سلام غضيب من قوات حفظ القانون، الملازم حسين جبار جهاد من قوات حفظ النظام, وعلاء فاضل  أمين شرطة” بعد اعتراف كلا منهم باستخدام اسلحة صيد في ضرب المتظاهرين.

                                          الرائد أحمد سلام غضيب المتهم بقتل المتظاهرين في ميدان التحرير ببغداد                                     

                                                   

وقال الغانمي إن “نتائج التحقيق أثبتت بأن الشهداء أُصيبا ببنادق صيد، استُخدمت من قِبل أمناء شرطة”.
هذا الإعلان لاقى ردود فعل إيجابية في الشارع .

وعلى الرغم من مخاوف الناشطين من أن حسم هذا الملف لن يذهب إلى أبعد من ملاحقة الضباط الميدانيين وعدم المساس بالشخصيات النافذة، سواء في الأجهزة الأمنية أو الميليشيات. 

وتعتبر محاسبة قتلة المتظاهرين من الأجهزة الأمنية منطلق لتفكيك سلطة الفصائل المسلحة المدعومة من السياسيين داخل البرلمان، حيث أظهرت عملية اقتحام المنطقة الخضراء في بغداد قبل عدة شهور للهجوم على السفارة الأمريكية وعدم تصدي القوات الأمنية للفصائل المقتحمة يبين مدى تضخم سلطة الفصائل المسلحة على الجهاز الأمني في البلاد.

العنف المفرط الذي استخدم مع المتظاهرين في بغداد ومدن جنوب العراق من قبل القوات الأمنية واستخدام الذخائر الحية بنية القتل العمد – احداث الناصرية ومقتل 32 متظاهرنوفمبر 2019 – تقود أيضاً إلى تواطؤ مع جماعات مسلحة قتلت المتظاهرين بيدها في مناسبات أخرى ” حادثة جسر السنك والتي راح ضحيتها 24 متظاهر”.

الملف الأمني                                                                               

خطوات الكاظمي في ملف قتل المتظاهرين تكشف عن نواياه لامتصاص غضب الشارع ، وهو أول رئيس وزراء عراقي بعد تحول الشارع العراقي لاحد اطراف المعادلة السياسية, ولكن الكاظمي يدرك خطورة الدخول في مواجهة سريعة مع الفصائل المسلحة المدعومة من زعماء كتل حزبية ، نظراً إلى تمتّعها بغطاء برلماني كبير، ما يعني أن استعجال الصدام مع تلك الأطراف سيؤدي إلى خسائر كبيرة سواء على الأرض أو في الأروقة السياسية.

 قضية اغتيال الباحث الأكاديمي هشام الهاشمي والتي فتحت الباب للكشف عن سجل طويل من تورط جماعات مسلحة بعمليات اغتيال ممنهجة تعود إلى سنوات بعيدة، الكاظمي لم يقدم جديد في ملف التحقيق باغتيال الهاشمي ولا قائمة الاغتيالات التي طواها النسيان من دون نتائج.

الناشطة الألمانية هيلا ميفيس، التي خُطفت خارج مكتبها وسط العاصمة بغداد، نجحت القوات الأمنية في تحريرها من الخاطفين – بعد خطفها لعدة أيام – دون تحديد هويتهم , ولم تنجح القوات الامنية في تحرير الصحفي العراقي توفيق التميمي الذي اختطف من قبل مسلحين مجهولين في بغداد أبريل الماضي حتى الان.


واخيراً

تقف عملية الانتخابات المبكرة الان بين خطوة الانتهاء من اعداد قانون الانتخابات وتمرير قرار حل البرلمان. مطلب الانتخابات المبكرة يمثل درة المطالب التي سوف تحدث تغييراً سياسياً جذرياً في البلاد, ولكن الطريق إلى تلك الانتخابات ليس سالكاً فبين قانون انتخابات يصعب ان يتم التوافق عليه بين الكتل الحزبية المتنافسة ومفوضية انتخابات مشكوك في نزاهتها, ومحكمة اتحادية تحتاج أن يكتمل نصابها وسلاح منفلت يهدد الخطوة بأكملها.

#العراق_ينتفض

#نريد_وطن                                                                     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *