د. يحيى القزاز يكتب: ماذا لو عاد “الإخوان” للحكم؟

بعد مسئولية الإخوان عن كل الإرهاب والتخريب في الدولة، صار السؤال المعنون أعلاه ليس فرضية عبثية ولا نظرية لكنها فرضية بها من المعقولية ما يعضدها، تعتمد على قاعدة الممكن في إن أبعد الأشياء عن الظن يكاد يكون أقربها إلى الوقوع، خاصة إذا كان الشيء قد وقع بالفعل قبل ذلك، وحَكم الإخوان مصر بانتخابات نزيهة 2012، وعُزلوا إثر ثورة 30 يونية 2013. كثير من العوامل تعزز تلك الفرضية، حتى لو لم نفكر فيها أولم نتمناها ونرفضها وكنا من الكارهين لها كراهية التحريم.

أولا: عدم وفاء النظام الحاكم بما وعد به من إصلاح وتحسين أحوال المعيشة والقضاء على الإرهاب، وضياع هيبة الدولة والتفريط في حقوقها التاريخية في الأرض والنهر، وغياب الحريات وزيادة معدلات الفقر والقهر، وحبس كل ذي رأى واتهامه ب”الانتماء لجماعة إرهابية معلومة الهدف”، ظواهر تعمل على تلاشى الخوف من الاستبداد الدينى في ظل وطأة الاستبداد العسكرى، وفى حالات العجز وثبات معامل الاستبداد قد يكون تغيير الأنظمة مطلوبا.. تعبير عن حالة يأس مهما طال فهو مؤقت حتى تنضج القوى المدنية.

ثانيا: غياب الأحزاب المدنية الفاعلة لتضيق السلطة عليهم، ولا يوجد في الدولة سوى كتلتين رئيسيتين للصراع على السلطة؛ القوات المسلحة وجماعة الإخوان.

رابعا: ندية الإخوان واعتراف بعض الدول القوية بهم، تركيا أعلنت أنها جماعة سياسية تسعى للحكم بطريق ديمقراطى، ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية لمفاوضات مصالحة بين الجماعة والسلطة المصرية. وهذا عمل لا يتم إلا بين ندين. وأمريكا طرف قوى ولاعب رئيسى ومؤثر في المنطقة.
خامسا: جماعة الإخوان ولاؤهم للفكرة لا الأشخاص وهذا يمنحهم قوة تماسك وصلابة، عكس حزب السلطة الذى يعتمد على السلطة، وولاء أعضائه للقيادة لا الدولة لتحقيق مصالح شخصية على حساب الوطن. بالإضافة لكونها جماعة منظمة داخليا، ولديها تنظيمها الدولى ومشاريعها التنموية والتمويلية، وهو مايوفر لها استقرار وحرية حركة، وقدرة الانفاق على أغراضها السياسية والاجتماعية، وتدعم الفقراء بكلمة طيبة وزيت وسكر وسمن وعسل من عند الله لسد الرمق، وبمستوصفات طبية رخيصة لرعاية صحية جيدة للفقراء فتكسب ودهم باسم الله، وتصير في نظرهم المخلص لهم من الفقر والقهر بإذن الله فتحصد أصواتهم في الانتخابات، ويصيرون قاعدتها المدنية الجماهيرية، وتعتمد على أعضائها في الإدارة والتواصل الاجتماعى، مما ساعدها على خلق قاعدة عريضة من أنصارها المدنيين تمكنها من الفوز بالانتخابات ومؤازرتها في الأزمات.

سادسا: تحقيق المستحيل، حققت الجماعة دولة إخوانية بمرشد أعلى وحزب “الحرية والعدالة” ورئاسة الجمهورية، حتى وإن كانت فترة الحكم قصيرة لكنها أثبتت وجودها وحجزت مقعدها في المنافسة على الرئاسة، بعد أن احتلتها بانتخابات نزيهة عبر “ديمقراطية كسيحة”. “الديمقراطية العفية” هي بناء هرمى، أركان قاعدته المربعة هم الوعى والحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وقمته انتخابات نزيهة، تأتى بمن يختاره الناس، وهى ديمقراطية تحمى نظامها، وبدون القاعدة تصبح الانتخابات تحصيل حاصل لحشد أعداد بالعصا والجزرة، يفوز فيها من يحشد أكثر.. من يدفع أكثر.. من يرهب أكثر، وهذه تدعى “ديمقراطية القبلية”. ديمقراطية القبيلة لا تحمى نظامها الذى جاءت به ولا تمنع الثورة عليه. ومازلنا نرفل في ديمقراطية القبيلة.

سابعا: ذراع الجماعة الإعلامى قوى موجه يروج للفكرة لا الشخص، ويعتمد عليها ويعرف ماذا تريد، ولديه القدرة على التجميل والتبرير وخلق الأكاذيب وتشويه فترات تاريخية تفضح تواطئه مع أنظمتها، بينما إعلام السلطة يروج للفرعون ويعتمد عليه ويبحث عن مصالحه.

ثامنا: برجماتية الجماعة تمنحها مرونة وانتشارا دوليا، وتوائم مع المتناقضات السياسية، بالرغم من أنها نشأت على أساس دعوى إسلامي، إلا أنها غيرت وقبلت بمصطلح “الإسلام السياسى” الغربى الذى قزم واختزل الإسلام في مذهب سياسى يتساوى مع الليبرالية والشيوعية والاشتراكية والرأسمالية، وهى حاليا تعتبر نفسها إحدى جماعات الإسلام السياسى وليس الدعوى، بالرغم من خطابها الدينى. الغاية تبرر الوسيلة.

تاسعا: شيطنة الإخوان وتحميلهم وزر الكوارث التي تحدث في مصر وكل العمليات الإرهابية على قاعدة وشهد شاهد من أهلها بتصريح أحد قادة الجماعة بعد عزل الرئيس الراحل د.محمد مرسى بأن “مايحدث في سيناء (يقصد الإرهاب) سيتوقف في اللحظة التي يعود فيها مرسى إلى مهامه”، وفُسر هذا بأنه اعتراف رسمى بمسئوليتهم عن الإرهاب، حتى وإن خان اللفظ صاحبه كما يقولون.

وآخر ماهو منسوب للجماعة كوارث القطارات في عهد الوزير الجنرال كامل الوزير، راح ضحيتها الكثير من أبناء مصر. أرجع الجنرال أسبابها إلى وجود “العناصر الإثارية والمتطرفين” وهم من قيادات النقابات العمالية. وطالب بنقلهم إلى وظائف غير حساسة فى وزارات أخرى. كما طالب بتعديل قانون الخدمة المدنية ليتسنى له فصل من يمثلون خطرا على السكة الحديد وسلامة المواطنين. التبرير بإلصاق التهم بالآخرين، ونقل المعارضين بالشبهة إلى أماكن أخرى، واستصدار قوانين مدنية لفصلهم بعيدا عن محاكمات عادلة ليست بجديدة، وتمتد لأزمنة بعيدة، وهى كالطاقة المتجددة لا تنفذ أبدا. وفيها من تصفية الحسابات السلطوية أكثر ما فيها من حرص على الأمن العام، وطوق نجاة المسئولين المقصرين من المحاسبة.
خطورة التهويل وتضخيم الفعل الإخوانى، وتعليق كل معارض سياسى على شماعة الإخوان، معناه أن الإخوان هم غالبية الشعب المصرى المعارض للنظام الحاكم، وهذه الرسالة وصلت للخارج، وأمريكا حاليا ترعى مصالحة على قاعدة الندية بين الاخوان والنظام، وهذا عنصر لصالح الإخوان ومؤهل لقدومهم في الحكم إذا توافرت انتخابات بلا تزوير. فى المجتمعات تقدر الأوزان بقوة الفعل لا بعدد الخاملين الأموات، فالفاعلون هم الأكثرية الحية على قلتهم، والغالبية الخاملة هي أقلية ميتة على كثرتها، لا وزن ولا لزوم لها. فمن العيب أن يهين النظام نفسه ويقزم شعب مصر بنسب كل رأى معارض سلمى إلى رأى إخوانى تحريضى. مصر ليست إخوان وعسكر، مصر أعظم وأكبر.
أيا ما كان الوضع أو التوصيف حاليا فالإخوان هم مصريون مثلنا، ومن يخطئ يحاسب منهم بالقانون، وبلا تعميم وبلا سحب الجنسية وبلا تصفية حسابات، تولد في النفوس ثأرا وانتقاما يختزن ليوم يتولون فيه السلطة، وتنقلب الآية ويصنعون بالشعب أكثر مما صُنع بهم. الفكر يواجه بالفكر والإرهاب يواجه بالسلاح. إذا كانت الحروب لم تصنع سلاما على الأرض فكيف تقضى الحروب على الأفكار؟! السلاح يقتل الفرد لكنه لا يقتل فكره.

ما أكتبه ليس تهويلا وتمجيدا في جماعة الإخوان ولا دفاعا عنهم ومناصرة لهم، ولاهو تقليل وتهوين من شأن السلطة الحاكمة التي نعرف قدرها في قوتها الباطشة على حد تعبير قائدها. إنه الخوف من المجهول والحرص على الدولة، أرض وشعب ومؤسسات. ويظل السؤال ساريا: ماذا يفعل الإخوان بالدولة إذا تغيرت الظروف وعادوا للحكم ثانية؟

المقاومةهيالحل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *