د. محمد مدحت مصطفى يكتب: الاتفاقيات الدولية وحوض نهر النيل (5).. تقسيم المياه

اتفاقيات تقسيم المياه:

ويُقصد بها تلك الاتفاقيات التي نصت صراحة على تقسيم المياه بين دول حوض نهر النيل، وفي هذا الصدد لا توجد سوى اتفاقيتان تنصان صراحة على تقسيم المياه بين مصر والسودان هما: اتفاقية مياه النيل عام 1929م، واتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959م.

اتفاقية مياه النيل 1929م:

وهي اتفاقية تم توقيعها في 7 مايو 1929م بين الحكومة المصرية وبين الحكومة البريطانية بصفتها صاحبة السيادة على كل من السودان وكينيا وتنجانيقا وأوغندا. وهي من الاتفاقيات الهامة التي حددت العلاقة بين مصر والسودان بشأن مياه النيل. وقد تضمنت الاتفاقية بنودا بشأن تنظيم الري في مصر والسودان. وقد نصت الاتفاقية على أنه  “بغير الاتفاق مع الحكومة المصرية، لا يُمكن القيام بأي أعمال ري أو توليد طاقة هيدروكهربية سواء على النيل أو على روافده أو على البحيرات التي ينبع منها يكون من شأنها إنقاص كمية المياه التي إلى مصر أو تعديل تواريخ وصولها أو تخفيض منسوبها”. وكان الدافع من وراء توقيع هذه الاتفاقية الشروع في استصلاح أراضي منطقة الجزيرة في السودان خاصة بعد الانتهاء من بناء خزان سنار عام 1925م، وحتى تضمن بريطانيا توفر المياه اللازمة لزراعة القطن المصري في السودان. وقد تضمنت الاتفاقية لأول مرة تحديدا لتقسيم كميات المياه، حيث نصت على تحديد حصة مصر السنوية من هذه المياه بنحو 48 مليار متر مكعب، مقابل أربعة مليارات متر مكعب للسودان. كما حصلت مصر على حق التفتيش على طول مجرى النيل للتأكد من تنفيذ تلك الاتفاقية. وكانت هذه الاتفاقية على صورة خطابين متبادلين بين محمد محمود    رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت اللورد جورج لويد المندوب السامي البريطاني في مصر يومئذ. ونظرا لأهمية تلك الاتفاقية نورد فيما يلي نص الخطابين المتبادلين.

خطاب رئيس الوزراء المصري إلى المندوب السامي البريطاني

يا صاحب الفخامة.

تأييدا لمحادثاتنا الأخيرة أتشرف بأن أبلغ فخامتكم آراء الحكومة المصرية فيما يختص بمسائل الري.

إن الحكومة المصرية توافق على أن البت في هذه المسائل لا يمكن تأجيله حتى يتيسر للحكومتين عقد اتفاق بشأن مركز السودان . غير أنها مع إقرار التسويات الحاضرة تحتفظ بحريتها التامة فيما يتعلق بالمفاوضات التي تسبق عقد مثل هذا الاتفاق . ومن الواضح أن تعمير السودان يحتاج إلى مقدار من مياه النيل أعظم من المقدار الذي يستعمله السودان الآن. ولقد كانت الحكومة المصرية دائما – كما تعلم فخامتكم – شديدة الاهتمام بعمران السودان  وستواصل هذه الخطة ، وهي لذلك مستعدة للاتفاق على زيادة المقدار بحيث لا تضر تلك الزيادة بحقوق مصر الطبيعية ،والتاريخية في مياه النيل ، ولا بما تحتاج إليه مصر في توسعها الزراعي ، وبشرط الإستيثاق بكيفية مرضية من المحافظة على المصالح المصرية على الوجه المفصل بعد في هذه المذكرة . وبناء على ما تقدم تقبل الحكومة المصرية النتائج التي انتهت إليها ( لجنة مياه النيل في سنة 1925م ) المرفق تقريرها بهذه المذكرة ، والذي يعتبر جزءا لا ينفصل من هذا الاتفاق ، على أنه نظرا للتأخير في إنشاء خزان جبل الأولياء الذي  يعتبر بناء على الفقرة الأربعين من تقرير لجنة مياه النيل مقابلا لمشروعات ري الجزيرة . ترى الحكومة المصرية أن تُعدل تواريخ ومقادير المياه التي تؤخذ تدريجيا من النيل للسودان في أشهر الفيضان كما هو مبين بالبند 57 من تقرير اللجنة بحيث لا يتعدى ما يأخذه السودان 126 مترا مكعبا في الثانية قبل سنة 1936م . وأن يكون من المفهوم أن الجدول المذكور في المادة السابق ذكرها يبقى بغير تغيير حتى يبلغ المأخوذ 126 مترا مكعبا في الثانية ، وهذه المقادير مبنية على تقرير لجنة مياه النيل . فهي إذن قابلة للتعديل كما نص على ذلك في التقرير .

ومن المفهوم أيضا أن الترتيبات الآتية ستراعي فيما يختص بأعمال الري على النيل أن المفتش العام لمصلحة الري المصرية في السودان أو معاونيه أو أي موظف آخر يعينه وزير الأشغال تكون لهم الحرية الكاملة في التعاون مع المهندس المقيم بخزان سنار لقياس التصرفات والأرصاد كي تتحقق الحكومة المصرية من أن توزيع المياه ، وموازنات الخزان جارية طبقا لما تم الاتفاق عليه .

2 – ألا تُقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد ، ولا تتخذ أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية يكون من شأنها إنقاص مقدار الماء الذي يصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على وجه يُلحق أي ضرر بمصالح مصر .

3 –تلقى الحكومة المصرية كل التسهيلات اللازمة للقيام بدراسة ورصد الأبحاث المائية (هيدروليجيا) لنهر النيل في السودان دراسة ورصداً وافيين .

4- إذا قررت الحكومة المصرية إقامة أعمال في السودان على النيل أو فروعه أو  اتخاذ أي إجراء لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر ، تتفق مقدما مع السلطات المحلية على ما يجب اتخاذه من إجراءات للمحافظة على المصالح المحلية . ويكون إنشاء هذه الأعمال وصيانتها وإدارتها من شأن الحكومة المصرية ، وتحت رقابتها .

5 – تستعمل حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى وشمال ايرلندا وساطتها لدى حكومات المناطق التي تحت نفوذها لكي تُسهل للحكومة المصرية عمل المساحات والمقاييس  والدراسات، والأعمال من قبيل ما هو مبين في الفقرتين السابقتين  .

6- لا يخلو الحال من انه في سياق تنفيذ الأمور المبينة بهذا الاتفاق قد يقوم من وقت لآخر شكّ في تفسير مبدأ من المبادئ أو بصدد بعض التفصيلات الفنية ، أو الإدارية فستعالج كل مسألة من هذه المسائل بروح من حسن النية المتبادل . فإذا نشأ خلاف في الرأي فيما يختص بأي حكم من الأحكام السابقة ، أو تنفيذه ، أو مخالفته . ولم يتيسر للحكومتين حله فيما بينهما ، رفع الأمر لهيئة تحكيم مستقلة .

7 – لا يُعتبر هذا الاتفاق ماسا بمراقبة ، وضبط النهر ويُحتفظ به لمناقشات حرة بين الحكومتين عند المفاوضة في مسألة السودان .

وإني أنتهز هذه الفرصة لأجدد لفخامتكم فائق احترامي .

القاهرة في 7 مايو 1929م                                      رئيس مجلس الوزراء

                                                                        محمد محمود

خطاب المندوب السامي البريطاني إلى رئيس الوزراء المصري

من مندوب بريطانيا السامي في مصر إلى رئيس مجلس الوزراء .

يا صاحب الدولة

أتشرف بأن أخبر دولتكم بأني تسلمت المذكرة التي تكرمتم دولتكم بإرسالها إليّ اليوم .

ومع تأييدي للقواعد التي تم الاتفاق عليها كما هي واردة في مذكرة دولتكم فإني أعبّر لدولتكم عن سرور حكومة جلالة الملك من أن المباحثات أدت إلى حل لابد انه سيزيد في تقدم مصر والسودان ورخائهما .

وإن حكومة جلالة الملك بالمملكة المتحدة لتشاطر دولتكم الرأي في أن مرمى هذا الاتفاق وجوهره هو تنظيم الري على أساس تقرير لجنة مياه النيل ، وأن لا تأثير له على الحالة الراهنة في السودان .

وفي الختام أذكر دولتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل  . وأقرر أن حكومة جلالة الملك تعتبر المحافظة على هذه الحقوق مبدأ أساسياً من مبادئ السياسة البريطانية ، كما أؤكد لدولتكم بطريقة قاطعة أن هذا المبدأ وتفصيلات هذا الاتفاق ستنفذ في كل وقت  أياً كانت الظروف التي قد تطرأ فيما بعد .

وإني أنتهز هذه الفرصة لأجدد لدولتكم فائق احترامي .

القاهرة في 7 مايو 1929م                                           المندوب السامي

                                                                              لويد                                                            

وترجع أهمية تلك الاتفاقية إلى أنها أكدت على عدد من المبادئ العامة والهامة بالنسبة لمصر، لعل من أهمها:

–         أنها أكدت لأول مرة على مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة.

–          أنها أكدت على مبدأ التوزيع العادل للمياه “التقسيم الكمي للمياه”.

–          أنها أكدت على مبدأ التعويض “قيام مصر ببناء خزان جبل الأولياء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *