د. مجدي عبد الحميد يكتب : الحرب الروسية – الأمريكية ( ٢ ).. لماذا لا نسمي الأشياء بمسماها الحقيقي ؟

بعد مرور عشرة أيام علي بداية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية المتاخمة للحدود الروسية، ومع تأمل المشهد الذي بدأت تتضح معالمه بدرجة كبيرة من خلال مواقف و أفعال وتصريحات وافصاح جميع اطراف الصراع أو الحرب الدائرة رحاها علي الأراضي الأوكرانية حتي تاريخه، يجوز لنا الآن ( بدرجة لا بأس بها من اليقين ) الوقوف علي طبيعة تلك الحرب وابعادها، أسبابها واختيار مسرح أحداثها، اثارها والنتائج المترتبة عليها، من خلال الاجتهاد التالي في قراءة المشهد :

أولا : أنواع الحروب :

مع اعادة التذكير بأن الحرب ما هي الا وسيلة لاعادة ترتيب أو لخلق أوضاع سياسية واقتصادية وجغرافية جديدة تتناسب مع الواقع و توازن القوي المتغير دوما، ومن خلال قراءة التاريخ، قديمه وحديثه، يمكننا حصر جميع أنواع الحروب في أربع أنواع :
⁃ حروب عدوانية توسعية مباشرة، بغرض الاستيلاء علي ثروات ومقدرات وأراضي الغير بالقوة واخضاعه لسلطة ونفوذ الطرف الاقوي في لحظة بعينها.


⁃ حروب عادلة، وهي بطبيعتها حروب دفاعية، لصد عدوان أو لاسترداد حقوق سلبت في لحظات اختلال لتوازن القوي، ولكنها تظل حق وجب الدفاع عنه والمطالبة به واسترداده حتي لو كان ذلك عن طريق الحرب.


⁃ حروب تنافسية، عندما تتصارع قوي مغتصبة ومتنافسة فيما بينها لبسط هيمنتها ونفوذها علي مقدرات وثروات واراضي شعوب اضعف، وهي في هذه الحالة تندرج تحت تصنيف الحروب التوسعية والصراع غير المباشر بين اطراف لا ترغب في المواجهة المباشرة بعد، ويطلق عليها أحيانا الحروب بالوكالة.


⁃ واخيرا حروب الأزمات الكبري، وهي تلك الحروب التي تحدث عندما تضطر الديناصورات المتصارعة فيما بينها علي فرض نفوذها واحكام سيطرتها الاقتصادية والسياسية والجغرافية الاستراتيجية علي المواجهة المباشرة للمحافظة علي أوضاعها وتحقيق اطماعها والاحتفاظ لنفسها بالبقاء علي القمة، وغالبا ما تتفجر تلك الحروب عندما تصل أزمات تلك الديناصورات الداخلية الي طرق مسدودة ولا يبقي امامها من بدائل سوي الصدام المباشر لاعادة تقسيم نهب ثروات الشعوب وفقا لقواعد جديدة يضعها المنتصرون.

ثانيا : طبيعة الحرب الدائرة رحاها علي الأراضي الأوكرانية الآن :

القراءة الأولي السريعة والمباشرة والتي حاولت أبواق الاعلام الغربية ( والتي تعتبر أحد أدوات الحرب الحديثة التي تستخدم لحشد وتعبئة القوي والاصطفاف ) الترويج لها علي أنها نوع من أنواع الحروب العدوانية التوسعية من قبل دولة كبري تمتلك العتاد والسلاح وهي روسيا للسيطرة علي دولة أصغر وأضعف وهي أوكرانيا، فهل هذه هي حقا طبيعة تلك الحرب ؟


ان جميع المقدمات والملابسات والاحداث السابقة علي الغزو الروسي للاراضي الاوكرانية الواضحة للعيان والتي اري انه من قبيل الاستخفاف بعقول القراء والمتابعين الخوض
في تفاصيلها، تشير، بل وتؤكد أنها حرب ديناصورات وتتويج أو بتعبير أدق، ذروة لصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من حلفائها في جميع انحاء العالم وبين روسيا الديناصور الجريح منذ تفكيك الاتحاد السوفيتي والهزيمة التي لحقت بها هي وبعض من حلفائها، والذين يحاولون تحت قيادتها استعادة امجادهم وتثبيت مواطئ اقدامهم وخاصة بعد تخليهم الواضح والمعلن عن افكار وايديولوجيات الحقبة السوفيتية وتبني نفس النهج الذي تتبناه امريكا، حيث ينضوي طرفي الصراع الآن، تحت لواء نظام عالمي واحد ومظلة ايديولوجية واحدة وان اختلف شكل نظام الحكم عند كل طرف من الاطراف المتصارعة، وذلك بحكم ملابسات التطور التاريخي لهم خلال المائة عام الماضية.


وهو ما يجعلنا نري بقدر كبير من الوضوح انها حرب اقرب ما تكون في محتواها وجوهرها الي حروب الازمات الكبري، حيث المواجهة باتت شبه مباشرة، حتي وان بدت اوكرانيا كساحة كبري للصراع وكأنها ليست طرف مباشر فيه، وان هذه الحرب مازالت تندرج تحت تصنيف الحروب بالوكالة.
وخلاصة القول انها حرب روسية – امريكية تدور علي الاراضي الاوكرانية، تستخدم فيها كافة انواع الاسلحة وجميع الادوات والعتاد والاساليب التقليدية القديمة والحديثة والمستحدثة.

ثالثا : هل كان لأوكرانيا تحديدا امكانية تجنب ويلات تلك الحرب ؟

ان هذا السؤال لا تعني الاجابة عليه سواء بالسلب او بالايجاب ان المواجهة لم تكن لتحدث آجلا أم عاجلا، ربما كانت ستتأجل، ربما تغير مسرح الاحداث، ربما اخذ الصراع اشكال اخري …. ولكنها مواجهة حتمية الطابع، فأسبابها كائنة وموجودة وتتولد من داخلها بغض النظر عن مكانها وزمانها، فهي تجسيد حي لأزمة النظام الرأسمالي العالمي في أحط وأبشع صوره.


أما عن أوكرانيا تحديدا، فخيار ان تكون هي مسرح الاحداث وساحة الصراع هو خيار اوكراني بالدرجة الاولي، كان يمكن تجنبه وكان امام قادتها خيارات اخري بديلة وبعيدة عن وضع الشعب والاراضي الاوكرانية في ذلك المأزق، وكانت ومازالت تمتلك الوضع الاستراتيجي الجيوسياسي والاقتصادي الذي يمكنها من ذلك.


وأما عن حتمية المواجهة التي تفرزها طبيعة النظام الرأسمالي العالمي الحالي فهي واقعة بالضرورة، وعلينا ان لا نتجاهل وجود قطب اخر كبير لم يكشر عن انيابه بعد، وهو المارد الصيني صاحب الطموح الكبير والذي لم يطل برأسه حتي الان، فهو في حالة ترقب وانتظار لما ستسفر عنه تلك الجولة من صراع الضواري من نتائج، حيث من المؤكد انه يشحذ قواه ليختار التوقيت والشكل المناسب له لخوض ذلك الصراع الحتمي ويحدد نصيبه من غنائمه.

رابعا : نتائج الحرب وآثارها :

هناك عدد من السيناريوهات التي يمكن ان تنتهي بها تلك الحرب، ولكن الأكيد أن هناك نتائج وآثار ستترتب عليها علي المدي المتوسط والبعيد.


السيناريو الاول : اندلاع حرب نووية شاملة، وهو سيناريو الجنون والانتحار الجماعي، او سيناريو تدمير الكوكب وهو احتمال بعيد لا اتصور ان يذهب جنون وسعار قادة العالم الرأسمالي اليه، رغم توحشهم وبشعهم جميعا.
سيناريو امتداد الحرب خارج حدود الدولة الاوكرانية بالاسلحة التقليدية لتطال عدد من الدول الاوروبية وربما اماكن اخري متفرقة في جميع انحاء العالم، قبل الجلوس علي طاولة المفاوضات ورسم خريطة العالم ما بعد الحرب علي ضوء نتائجه.


السيناريو الثالث : وهو سيناريو تسليم امريكا واوروبا الغربية بسقوط اوكرانيا ورحيل النظام الحالي شديد التطرف بقيادة زالينسكي وعصبته لتصبح اوكرانيا دولة علي الحياد منزوعة السلاح، وتوقف الحرب العسكرية وتجميد الصراع الحالي عند تلك النقطة ثم الجلوس علي طاولة المفاوضات لاعادة رسم خريطة العالم علي ضوء نتائج الحرب علي كافة المستويات.
هذه هي السيناريوهات الثلاث الكبري.

أما عن النتائج والآثار متوسطة وبعيدة المدي المتوقعة : يوجد نتيجتين كبيرتين يمكن ان يندرج اسفل كل واحدة منهما عدد من النتائج التفصيلية :


اولا : انهيار ألنظام العالمي الحالي والاسس القائم عليها، بمعني بلورة وصياغة تحالفات من نوع جديد تراعي الابعاد الجيوسياسية والاوضاع الاقتصادية لعالم ما بعد الحرب وصعود قوي وضعف قوي اخري، مع بقاء هيمنة الفكر والايديولوجيات الرأسمالية في اثواب جديدة.


ثانيا : صحوة للشعوب بعد عبور ذلك الكابوس وظهور رؤي وافكار اكثر انسانية للمحافظة علي وحماية البشرية من تهديدات وخطر الفناء الناتج عن اختلال التوازن وتركز الثروة والسلطة في بعض المراكز دون عن البعض الاخر، وداخل المركز الواحد.


وفي جميع الاحوال فان الاثار المباشرة وكذلك النتائج بعيدة المدي للحرب، ستدفع ثمنها الشعوب من دمائها المسالة في الحرب ومن معاناة قسوة الحياة وشظفها الذي ستمتد اثاره لفترات طويلة بعد الحرب والتي ستطال جميع شعوب العالم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.


وفي جميع الاحوال فان الاثار المباشرة وكذلك النتائج بعيدة المدي للحرب، ستدفع ثمنها الشعوب من دمائها المسالة في الحرب ومن معاناة قسوة الحياة وشظفها الذي ستمتد اثاره لفترات طويلة بعد الحرب والتي ستطال جميع شعوب العالم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا


ومع مقال اخر سأطرح تصوراتي الخاصة بالدروس المستفادة من تلك الحرب، دور قوي السلم والحرية والتقدم الانساني فيما هو آت.

د. مجدي عبد الحميد
كاتب ومحلل سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *