د. كريمة الحفناوي تكتب: شهيدات طريق الموت الإقليمي

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن البشر يُولدون جميعًا أحرارًا، ومتساوين في الكرامة والحقوق، ولكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات العامة، المقررة فيه دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي. كما تنص القوانين الدولية لحقوق الإنسان على المساواة بين الجنسين، وأكدت على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدرته، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية.

وفي اتفاقية “القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة” التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1981 نجد أن المادة الخامسة فقرة (هاء) تنص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: –

الحق في العمل، وفي حرية اختيار نوع العمل، وفي شروط عمل عادلة مُرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متساوٍ عن العمل المتساوي، وفي نيل مكافأة عادلة مُرضية.

حق تكوين النقابات والانتماء إليها.

الحق في السكن.

حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، والخدمات الاجتماعية.

الحق في التعليم والتدريب.

حق الإسهام على قدم المساواة في النشاطات العامة والثقافية.

وإذا انتقلنا إلى الدستور المصري 2014، نجد المادة (8) تنص على “يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذي ينظمه القانون”.

وتنص المادة (53) من الدستور على أن التمييز جريمة ولا تسقط الدعوى الجنائية في جرائم التمييز، ولا الدعاوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتنص أيضًا على التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.”

والمقصود بجريمة التمييز كل من قام بعمل أو الامتناع عن عمل يكون من شأنه، إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس، بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو العقيدة، أو الانتماء السياسي، وترتب على هذا، إهدار لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

وتنص المادة (93) على “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تُصدِّق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة”.

وإذا انتقلنا للقوانين التي تُجرِّم عمالة الأطفال فهناك القانون الخاص بالطفل 12 لعام 1996، وقانون العمل 12 لعام 2003، وقانون العمل الجديد 14 لعام 2025، كل هذه القوانين تُجرِّم عمالة الأطفال، وتنص على السلامة والصحة المهنية وتنص على بيئة عمل آمنة. كما أن الدستور المصري الصادر بعد ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، تنص المادة (59) منه على “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها”.

أما المادة (80) الخاصة بالطفل فتنص على “يعد طفلًا من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وتكفل الدولة حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم في المجتمع. وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري. لكل طفل الحق في التعليم المبكر حتى السادسة من عمره، ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي، كما يحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل”.

لقد أقسم جميع المسؤولين التنفيذيين في جمهورية مصر العربية على الدستور المصري، كما أقسم أعضاء مجلسي النواب والشورى، وأقسم أعضاء السلطة القضائية القائمين على تحقيق العدالة.

هذه المقدمة التي تبدو طويلة كان لا بد منها عند الكتابة عن الحادثة البشعة التي راح ضحيتها 19 فتاة في عمر الزهور من 13 إلى 15 سنة، وثلاث منهن في عمر 18 إلى عشرين عامًا (حلمن بالمستقبل المشرق).

في صباح هذا اليوم شهدت محافظة المنوفية الحادث الأليم الذي راح ضحيته 19 عاملة زراعية، أثناء عودتهن من عملهن بقرية كفر السنابسة، بعد يوم شاق في جني محصول العنب مقابل أجر يومي محدود (130 جنيهًا) فقط لا غير، دون أي وسائل نقل آمنة، أو إجراءات لحمايتهن. الفتيات الصغار يعملن في جني العنب طيلة النهار (بالمخالفة لقانون الطفل والعمل) وركبن وسيلة مواصلات غير آمنة، وسارت السيارة الميكروباص التي تقلهن على طريق يسمى طريق الموت الإقليمي لكثرة الحوادث على هذا الطريق غير المطابق للمواصفات، والذي تم انهيار جانب منه بعد تسليمه ولم تتم صيانته مع عدم إنارته بشكلٍ كافٍ، ودُهسن تحت سيارة نقل وانتقلن إلى رحمة الله هن والسائق في الحال.

لم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فالإهمال والفساد وعدم الرقابة والمحاسبة وتنفيذ القوانين، يتسبب في الكثير من الحوادث ونزيف دماء الضحايا على الأسفلت.

فلقد وقعت منذ شهرين حادثتان مروعتان في محافظة المنيا، وبالتحديد يومي 18 و19 إبريل 2025، نتيجة غياب وسائل انتقال آمنة، ففي 18 إبريل حدث تصادم بين سيارة نصف نقل وسيارة محملة بالعمالة الزراعية، بالقرب من قرية تونا الجبل وراح ضحيته 8 أشخاص منهم أطفال، و24 مصابًا بينهم حالات حرجة من بينهم أطفال. وفي اليوم التالي 19 إبريل وقع حادث على نفس الطريق أسفر عن وفاة عاملتين وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب سيارة محملة بالعمال في نفس الطريق الصحراوي الغربي لمحافظة المنيا.

أين المساواة بين المحافظات وبين المدن والقرى في الاهتمام بالطرق وصيانتها؟ هل من العدل الاهتمام بالمدن الكبرى على حساب القرى؟ أين بيئة العمل الآمنة؟، وأين الطرق الآمنة؟، وأين الرقابة والتفتيش على أماكن العمل لضمان تطبيق القوانين الخاصة بتجريم عمالة الأطفال، وتطبيق السلامة والصحة المهنية والحماية والضمانات الاجتماعية؟؟

العدالة الاجتماعية يا أيها المسؤولون هي أحد النظم الاجتماعية، التي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع، من حيث المساواة في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات، والحقوق السياسية، وفرص التعليم، والرعاية الصحية، وبالتالي يتمتع جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو المستوى الاقتصادي، بعيش حياة كريمة بعيدًا عن التحيز.

ومن أهم المعوقات التي تعترض تحقيق العدالة الاجتماعية: –

1 – غياب الحرية وانتشار الظلم والفساد والمحسوبية.

2 – عدم المساواة في توزيع الدخل بين الأفراد، على المستوى المحلي أو الوطني.

3 – عدم المساواة في توزيع الموارد والممتلكات.

4 – عدم المساواة في الحصول على فرص التعليم وعلى الخدمات التعليمية المختلفة.

5 – عدم المساواة في توزيع فرص العمل بأجر.

6 – عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية.

وتنص المادة (27) من الدستور المصري على “يلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا، بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية، وتقليل الفوارق بين الدخول، والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى في أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر وفقًا للقانون”.

ونحن نتساءل أين العدالة الاجتماعية؟ فالفجوة الطبقية تزداد اتساعًا يومًا بعد يوم، والفقر يزداد يومًا بعد يوم ويدفع فتيات في عمر الزهور إلى العمل في ظل ظروف غير آدمية، من أجل مساعدة أسرهن الفقيرة، أو توفير مصروفات للدراسة واستكمال تعليمهن في مراحل الثانوي والجامعة، أو تدبير مصروفات للعرس، حيث كانت اثنتان منهن تستعدان للزفاف بعد أسبوع من الحادث البشع الذي أودى بحياتهن يوم الجمعة الموافق 27 يونيو 2025.

عادت الفتيات لأسرهن جثثًا هامدة ملفوفة بالكفن الأبيض بدلًا من زفافهن بالفستان الأبيض، تاركات الحزن والدموع في العيون، والحسرة والألم في قلوبنا وقلوب الأهل والجيران والأحبة.

وفي نهاية مقالي أؤكد على أنه لا بد من فتح تحقيق مستقل وشفاف، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق جميع المسؤولين المقصرين على مستوى الحماية الاجتماعية والتشغيل والرقابة والنقل والطرق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *