د. أحمد حسين يكتب: انتخابات الأطباء..النجاة للديمقراطية أو فقد السلاح الأخير

بعد أن حَلَّ الرئيس السادات مجلس الشعب في 1979 قبل إنتهاء مدته الدستورية، المُستشار ممتاز نصار عضو مجلس الشعب وأحد المُستهدفين بالإبعاد، خاض جولته الإنتخابية الثانية له وكان الحدث المعروف الذي دونَّه التاريخ بإنتصار إرادة الشعب على إرادة رئيس الجمهورية، حيث حمى الناخبين من دائرة البداري بأسيوط صناديق الانتخاب بأجسادهم خوفًا من تزويرها.. حب الناس واحترامهم وقد تكون العصبية القبلية هو أو هي دافع المواطنين لتصرفهم، ولكن المعنى الأبرز أن الناخبين دافعوا عن إختيارهم وتمسكوا بحقهم في إمتلاك آداة التغيير.

شهدت مصر إبان ثورة يناير 2011 إقبالًا غير مسبوق في عهد الجمهورية، على صناديق الإنتخابات في مختلف الساحات التنافسية، بدءً من النقابات مرورًا بالمحليات ومجلس الشعب ووصولًا إلى رئاسة الجمهورية، ربما لم تأتي الصناديق بالأفضل تمثيلًا لصوت الناخبين وتحقيقًا لطموحاتهم، المهم أنها مثلت إرادتهم وإختياراتهم، والأهم أنهم يمتلكون آداة التغيير لمن أخفق أو خالف توقعاتهم.. تواترت الأحداث وتَوتَّرت معها الأعصاب والعلاقات بين أطياف المجتمع وانجرف الرفقاء لطرق شتى، وعزفت الجموع في الساحات المختلفة عن صناديق الإنتخابات سواء عزوف عن المشاركة أو المراقبة، تخلَّت طوعًا أو كرهًا عن حقها في إمتلاك آداة التغيير.

مثلها كغيرها لم توافق طموحات وآمال أعضاءها، وعزف الكثير منهم عن المشاركة في إختيار ممثليهم، ولكن نقابة الأطباء من الساحات القليلة التي ما زال يمتلك الأطباء فقط سلاح إختيار ممثليهم لعضوية مجلس النقابة.. قانون نقابة الأطباء لا يلزم القائمين على إنتخاباتها بالإشراف القضائي ومراقبة المرشحين، ولكنه حتى الآن تلتزم بتحقيق هذا الضمان لسطوة إرادة الناخبين.

في الإنتخابات الماضية لنقابة الأطباء 2019 شارك فيها قرابة الإثنى عشر ألف طبيب وطبيبة من قرابة الثلاثمائة ألف مقيدين بسجلات النقابة، عدد بالتأكيد يعطي الطمأنينة التامة لأية جهة أن تتجاهل مجلس النقابة عند تفاوضه على حقوق الأطباء والمهنة.. قانون المسوؤلية الطبية، تدخل الجهات الغير مختصة،عشوائية الإعلان الطبي، الجوانب الإجتماعية والمعيشية المتردية لغالب الأطباء، التعليم الطبي، وغيرها الكثير من القضايا والمشاكل، من عدم الفطنة أن يتوقع طبيب أو طبيبة أن ينجزها ويشارك في حلها مجلس نقابة أُنتخب بأقل من 5% من أعضاءها، ومن الظلم أن ينتظر أعضاء النقابة من مجلسها أن يحارب وحده دون دعم منهم.

دعم عضو النقابة لمجلسه المُمثل له، ليس فقط في إنتخابه، ولكن يكمن أيضًا في متابعته ونقده لتصويب آداه ومشاركته لتحقيق أهدافه، ونجاح مجلس النقابة يُقاس بقدرته على جذب أعضاء النقابة من خارج المجلس للمشاركة في فاعلياتها، واستخدام كافة آدواته وأولها التي يملكها منها لعودة الأطباء إلى نقابتهم.

يعلم الكثيرون وبالأخص المنغمسين عن قرب بالعمل النقابي من الأطباء، أن هناك جهات تحاول جاهدة أن تتحكم في تشكيل مجلس نقابة الأطباء، عن طريق التدخل بشكل أو أخر لتوجيه الناخبين أو حجبهم عن التوجه لصناديق الإنتخابات، ما زالت تلك المحاولات فاشلة رغم اِستماتها وإلحاحها لضم ساحة إنتخابات الأطباء إلى غيرها من الساحات المستكينة الخامدة.

الجمعة القادمة 8 أكتوبر إنتخابات التجديد النصفي لعضوية مجلس النقابة العامة للأطباء والنقابات الفرعية بالمحافظات، من الساعة التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساءً بجميع محافظات مصر..ربما تكون الأخيرة من الفرص لإحياء الديمقراطية أو بدائياتها..وربما يومها يفقد الأطباء السلاح الأخير الذي ما زالوا يمتلكونه، آداة التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *