دار الخدمات عن كارثة فتيات الطريق الإقليمي: الحادث مرآة لواقع اقتصادي غير رسمي يقوم على تشغيل الأطفال واستغلال الفقر
البيان: نطالب بفتح تحقيق مستقل وشفاف يشمل الكشف عن أصحاب العمل وظروف التشغيل ومدى تقصير الجهات الرقابية
دار الخدمات: الحادث نتيجة لغياب الرقابة واستمرار اقتصاد غير رسمي يستنزف أعمار أطفالنا مقابل فتات الأجور
كتب: عبدالرحمن بدر
طالبت دار الخدمات النقابية والعمالية بفتح تحقيق مستقل وشفاف يُعلن نتائجه على الرأي العام بشأن مصرع 19 فتاة في حادث الطريق الإقليمي، يشمل الكشف عن أصحاب العمل، وظروف التشغيل، ومدى تقصير الجهات الرقابية.
وقالت دار الخدمات في بيان لها: في صباحٍ دامٍ لا يختلف كثيرًا عن مشاهد مأساوية اعتادتها طرق مصر الريفية، لقي 19 شخصًا مصرعهم، بينهم 18 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عامًا وسائق الحافلة، في حادث تصادم مروّع على الطريق الإقليمي بمركز أشمون، محافظة المنوفية.
كانت الفتيات في طريقهن إلى أحد أماكن العمل، بأجر يومي لا يتجاوز 130 جنيهًا، حين اصطدمت حافلتهن بسيارة نقل ثقيل، ففارقن الحياة قبل أن يُدركن حتى معنى “سوق العمل” الذي أُلقين فيه قاصرات، بلا حماية، ولا قانون.
وتابعت: هذه المأساة التي تهزّ الضمير العام، لا يمكن فصلها عن واقع مرير تتجاهله السياسات الحكومية، إذ تتكرر مثل هذه الحوادث عامًا بعد عام، دون حلول حقيقية تردم الفجوة بين الخطابات الرسمية وواقع العمالة القاصرة، ففي الأول من ديسمبر 2024، وخلال فعالية إطلاق “مشروع تعزيز الإنتاجية وتحسين ظروف العمل في القطاعات الرئيسية في مصر”، وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية، صرّح وزير العمل محمد جبران بأن الدولة تعمل على “توفير بيئة عمل لائقة، تتسم بالسلامة والصحة المهنية، وتوازن العلاقة بين العامل وصاحب العمل”.
لكن ما جرى على طريق أشمون يكشف واقعًا مناقضًا تمامًا؛ حيث لا تبدأ بيئة العمل حتى من أعمار قانونية، ولا تشمل الحد الأدنى من السلامة أو التأمين، بل يُساق الأطفال والبنات إلى العمل القاسي بلا إشراف، أو حماية، أو نقل آمن.
وفي الوقت ذاته، أوفدت الحكومة المصرية وفدًا كبيرًا إلى مؤتمر منظمة العمل الدولية في جنيف، بتكلفة باهظة من الإقامة والسفر والنفقات، للمشاركة في نقاشات حول “العدالة الاجتماعية” و”العمل اللائق”، بينما كانت الفتيات القاصرات يُسقن إلى مصانع هامشية في قلب الريف بلا حماية، ويُقتلن على طرق غير آدمية، دون أن يترك هذا الحضور الدولي أي أثر ملموس في حياة من يفترض أن تدافع عنهم تلك المؤتمرات، بحسب البيان.
وأضافت دار الخدمات: هذه الحادثة ليست قضاءً وقدرًا، بل نتيجة طبيعية لغياب الرقابة الفعلية، والإهمال المستمر، واستمرار اقتصاد غير رسمي يستنزف أعمار أطفالنا مقابل فتات الأجور”.
وقالت إن وفاة 18 طفلة عاملة في ظروف غير إنسانية، تضع الدولة، بكامل مؤسساتها، أمام اختبار حقيقي: هل تكفي المؤتمرات والخطط الخمسية والبيانات البراقة؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة الأولويات، وإنقاذ ما تبقى من جيل يُستنزف تحت عجلات النقل الثقيل؟.
وتابعت: “الحادث، رغم قسوته، ليس استثناءً، بل هو مرآة لواقع اقتصادي غير رسمي، يقوم على تشغيل الأطفال، واستغلال الفقر، وغياب الرقابة، حيث يصبح الموت ثمنًا متوقعًا لمن يطاردون لقمة عيشٍ مُرّة”.
وأضافت: بينما تشيّع القرى فتياتها الصغيرات، يظل السؤال معلقًا: من المسؤول عن هذا الموت المجاني، الذي يُغلّفه الصمت الرسمي بورق البيانات المعتادة؟، ولماذا تُضاء عواصمنا بالأنوار، بينما تتشح أقاليمنا بالسواد؟ ولماذا نحتفل بـ “العدالة الاجتماعية” في المؤتمرات، بينما تدفن طفولة بأكملها تحت ركام حافلة متهالكة؟ على حياة لم تبدأ بعد، وعلى أجساد هشة دفعتها الحاجة قبل أوانها، لتُسحق تحت عجلات الإهمال والتقصير.
وواصلت: نطالب بفتح تحقيق مستقل وشفاف يُعلن نتائجه على الرأي العام، يشمل الكشف عن أصحاب العمل، وظروف التشغيل، ومدى تقصير الجهات الرقابية. ونطالب بمحاكمة عادلة، ولو لمرة واحدة، لأي مسؤول يثبت تورطه أو تقاعسه، ليكون ذلك بداية لمحاسبة لا تستثني أحدًا.
وطالبت بضرورة إعلان خطة طوارئ عاجلة لمكافحة عمالة الأطفال، وتوفير بدائل تعليمية واقتصادية حقيقية تقيهم شر هذا المصير المتكرر.
كانت النيابة العامة أمرت بحبس قائد سيارة النقل المتسبب في الحادث المروري الأليم الذي وقع أعلى الطريق الإقليمي بنطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية، احتياطيًّا على ذمة التحقيقات التي تجرى معه.
وذكرت النيابة العامة – في بيان لها– أن نتيجة التحليل المعملي للعينة المسحوبة من قائد السيارة المتهم، كشفت عن ثبوت تعاطيه مواد مخدرة وقت ارتكاب الواقعة التي أسفرت عن مصرع 19 مواطنًا وإصابة 3 آخرين أثناء توجههم إلى عملهم.
وأضافت أن فريقا من أعضاء النيابة العامة، قام بالانتقال على الفور إلى موقع الحادث لمناظرة جثامين المتوفين، وسؤال ذويهم وشهود العيان.
وقد أسفرت المعاينة الأولية، وما توصلت إليه تحريات الشرطة، عن أن قائد سيارة نقل (تريلا) قد تجاوز الحاجز الفاصل بين الاتجاهين، مما أدى إلى اصطدامه بسيارة ميكروباص كانت تُقل الضحايا، وأسفر الحادث عن هذا العدد الكبير من الوفيات والإصابات البالغة.
وأشارت النيابة العامة إلى أن اختصاصها ينعقد في إطار الدعوى الجنائية وحدها، دون الدعوى المدنية، في ضوء اختصاصها المحدد قانونًا، وأن لذوي الضحايا، والمصابين، ولكل من لحقه ضرر من جراء الحادث، الحق في الادعاء مدنيًّا أثناء مباشرة النيابة العامة للتحقيقات، أو أمام المحكمة المختصة بنظر الدعوى الجنائية، أو برفع دعوى مستقلة أمام المحكمة المدنية المختصة، حفاظًا على حقوقهم المشروعة.
وأوضحت أن للمستحقين أو ورثة الضحايا الحق في اقتضاء مبلغ التأمين المقرر عن حوادث مركبات النقل السريع المرخص بتسييرها، دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء في هذا الشأن، ويجوز كذلك للمضرور أو ورثته اتخاذ الإجراءات القضائية قبل المتسبب عن الحادث والمسؤول عن الحقوق المدنية، للمطالبة بما يجاوز مبلغ التأمين المشار إليه، وذلك وفقًا لما نظمه قانون التأمين الموحد.
وأكدت النيابة العامة التزامها الكامل بكشف جميع ملابسات الحادث، وإعلان نتائج التحقيقات فور الانتهاء منها، تحقيقًا للردع العام، وصونًا لأرواح المواطنين.