خالد محمد جوشن يكتب: النسيان

أقيم فى مدينة صغيرة هادئة، أستطيع أن أجوبها من أدناها إلى أقصاها فى ساعة من الزمن. واحفظ دروبها وشوارعها تماما .

خرجت من منزلى فيها لبعض شئونى على أن أعود سريعا ، وفعلا انتهيت مما كنت بصدده، وعزمت على العودة إلى المنزل .

ولما كانت المسافة بين المكان الذى كنت فيه ومنزلى فى المدينة لا تتجاوز ربع الساعة، فقد قررت العودة ماشيا إلى منزلى، لأنه صار لى زمن لم أمش إلا قليلا.

وبدأت رحلة العودة التى لا تزيد على الربع ساعة مشيا، ولكنى فقدت القدرة تماما على العودة، نسيت تماما طريق العودة، كل ما اعتقد اننى وصلت إلى المنزل أجد نفسى فى مكان آخر .

مرت عليا فى هذه المتاهة أكثر من أربع ساعات، أحاول الوصول إلى المنزل دون جدوى، ويؤرقنى هاجس أنه عيب علي، أن أسأل عن عنوانى وكيف السبيل إليه .

وبعد أن أعيتنى السبل وانهكت قواى وجدت أنه لا مفر من السؤال، بعد آخر محاولة خاطئة للعودة .

اقتربت من إحدى الصيدليات وجدت صبى دليفرى يتأهب للدخول، فسألته عن عنواني، فقال لى أنت فى المكان الخطأ تماما، يجب ان تركب (ميكروباس) وتذكر له العنوان، وهو سوف يوصلك إلى المكان تماما .

تركته لأركب مواصلة كما قرر لى ، فنادى على الصبى قائلا، بدل ما تركب من أول الشارع، مسافة بعيدة عليك، عدى من هنا، شايف الميكروباسات ماشية هناك اهيه .

نظرت إلى المكان الذى يريدني العبور منه إلى الشارع الآخر، وجدته يشبه مصنع مهجور، يمر منه بعض الناس إلى الشارع الآخر بدلا من السير مسافة طويلة والدوران حول المصنع .

دلفت إلى المصنع من بوابة محطمة، ورأيت امرأة على البعد تدلف من كوة فى سور المصنع إلى الشارع الاخر، فتابعتها من بعيد متوجها إلى ذات المسار

وجدت كوة مفتوحة فى سور السلك الشائك تسمح بالكاد لمرور شخص، ولكننى عندما وصلت وجدت بجوار الكوة أمن وبوليس وحراسة.

فقلت لهم اننى أريد العبور، فقال لى أحدهم كيف دخلت هنا ؟ ممنوع ارجع تانى . قلت له حاضر، بس لسه سيدة معدية حالا. قال لى ملكش دعوة ارجع لو سمحت قالها مهددا فى نبرة حادة متجهمة . قلت له حاضر وغادرته ووجدت رجلا يهبط لى من الكوة ويقول لى معلش انت من زفتى؟

دهشت قلت آه وعرفت منين، مفيش أي علامة تنبئ بموطني الأصلي، انت عرفت منين؟ أنا عرفت وخلاص رد قائلا فى نبرة هادئة، واصطحبنى الى كوة أخرى بعيدةـ فى السور لا يوجد بها حراسة، خرجت منها، إلى الشارع الآخر.

ركبت الميكروباس وأكدت على السائق عنوان منزلى، أوصلنى خلال أقل من عشر دقائق عبرت جانب الطريق .

وجدت نفسى امام المنزل مباشرة ووجدت الجميع بانتظارى ، انت كنت فين ؟ قلت لهم كنت فى مشوار واتاخرت شوية ، شوية اربع ساعات ؟ ردوا عليا فى نفس واحد .

قلت لهم الموضوع كان مهم والحمد لله خلص، ولم اقل لهم ابدا اننى كنت ضال للطريق، خلال هذه الساعات الاربع، بدون سبب ظاهر . واننى نسيت تماما طريق العودة .

ترى هل أنسى مرة أخرى طريق العودة إلى منزلى ؟

أم يجب عليا ألا اخرج وحدي ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *