حنان فكري تكتب: العزل وسط أكوام من اللحم.. والشفاء في غياب الدواء

لا تحدثنى عن الطمأنينة في أيام الرعب، ولا عن الحكمة فى زمن الاندفاع، ولا عن التضحية والتضامن، وانكار الذات، في زمن الأنانية والانتهازية والاستعراض، الذى رفع أسعار عقاقير علاج كورونا، مثل التاميفلو، والهيدروكسي كلوروكين، في الصيدليات لتناطح المخدارات في تكفلة الحصول عليها، بعد أن وصلت اسعارها الى بضع آلاف من الجنيهات مقابل العبوة الواحدة، ومن يرقد في منزله غير قادر حتى على اجراء اختبار المسحة لاثبات الاصابة او نفيها، لن يستطيع الحصول على الدواء، خارج طابور “المرمطة” لاجراء المسحة في مستشفيات فقدت قدرتها على أشياء كثيرة قبل الدخول في ذروة الوباء، وهكذا تزاوجت الانتهازية مع شراء الذعر، لينجبا مزيداً من القهر للغلابة، كما لو كانا هناك اتفاقاً ضمنياً على المرضى الحقيقيين الذين يحتاجون لشر اء العلاج ولا يجدونه بسبب قوة السحب الهائلة عليه سواء بسبب تزايد الاحتياجات اليومية منه أو لتخزينه احتياطياً، وهو ما يضرب مبدأ العدالة فى الحصول على العلاج فى مقتل.

لا تحدثني عن التعقل والتروي، وكبح لجام شهوة النشر لدي بعض رواد السوشيال ميديا، بعد أن نشر البعض بروتوكولات علاج كورونا الُمتبعة فى مستشفيات العزل،  على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فتحول الجميع إلى أنصاف أطباء، يصفون العلاج دون ادني مسؤولية، وبدأت بوصلة شراء الذعر تتجه نحو الأدوية الوارد ذكرها في بروتوكولات العلاج المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيتامين سي والزنك وخوافض الحرارة المنتمية لمجموعة الباراسيتامول، وبعض المضادات الحيوية، طبعا اصحاب الدخول المحدودة والقوت اليومي ليس بمقدروهم تخزين الطعام، فما بالنا  بالدواء الذى ليسوا فى حاجة حقيقية له طالما غاب مؤشر الإصابة فى أجسادهم.

لا تحدثني عن الشفاء في غياب الدواء، وقد تسابق القادرون على اقتناء مجموعة العلاج مضروبة فى عشرة اضعافها، ربما يحتاجون المجاملة بها للاصدقاء و المعارف! لم أصدق حينما وجدت البعض تائهاً ينعي همه لانه لا يجد خافض حرارة فى الصيدليات المحيطة بمنزله. ولم أصدق عيناي حينما رأيت البعض عائداً من مستشفي الحميات مطلوباً منه العزل المنزلي، خاوى اليد بلا أي علاج، والصيدليات فارغة، واصبح العلاج فى حوذة السليم بينما يستغيث المصاب والمشتبه في اصابته بحثاً عنه.

لا تحدثني عن  خدمات المجتمعات المحلية، و ما زال عذاب الناس يزلزل أفنية المستشفيات في ارجاء المحروسة بأكملها، طلباً في اجراء اختبار المسحة، لا تحدثني عن خطط احتواء التفشي، والناس يموتون قبل ظهور نتائج المسحات، لا تحدثني عن وعي الشعب، فماذا يفعل المعدمون والجاهلون بالتعامل مع الوباء وهم كُثر؟ فلا تحدثني عن الوعي في زمن الجنون وكيف تطلب وعياً، من الذين –بالكاد- يعلمون كيف يضعون بصمات اصابعهم فوق اوراقهم الثبوتية، ونسبتهم تصل الي 25.8% من عدد السكان في عام 2019 -طبقاً لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء- اى ان ربع الشعب أُمي الكتابة والقراءة،  فماذا يفعل هؤلاء وسط طوفان التعامل الافتراضي عبر شبكة الانترنت؟

لا تحدثنى عن العزل المنزلي، والاختباء في غرفة مستقلة أملاً في السيطرة على العدوى، بينما يحيا البعض تحت خط الفقر،  في عشش من صفيح، فضحتها سيول مارس الماضي،  والبعض يحيون فى عشوائيات كل عشرة فى حجرة واحدة؟ وحينما يصاب فرد منهم يرقد الجميع؟ وقد يموت الجميع ايضاً،  لا تحدثني عن العزل المنزلي في ذروة الوباء لأكوام من اللحم ينتهي بها الليل فوق رقعة من الأرض، لا تتعدى مترين فى مترين، لا تحدثني عن جودة التهوية، وبيننا من يسكنون “البدرومات”، وفي القبو لا هواء ولا نور.

لا تحدثني عن انجازات، وزارة الصحة، وبروتوكولاتها، ، فما عاد يعنينى انجاز سياسي، في غياب حس انساني، ولا تعنينى بروباجندا اعلامية في ظل كارثة وبائية.لا تحدثني عن سباق الحياة مع الموت والاجراءات والاحتياطات، والقبور قد فتحت فاهاً لاستيعاب الغلابة اولاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *