جمعة رمضان يكتب: في ذكرى تحرير سيناء .. تحيا مصر ويسقط نيوتين !

من أحمس الأول لأحمد المنسي .. تعظيم سلام للقادة والجنود

في الذكرى الـ 38 لتحرير سيناء الحبيبة تهل علينا ذكرى بطولات وأمجاد وملاحم العسكرية المصرية في اكتوبر المجيد وغيرها، ذكرى تعيدني أنا جندي مجند جمعه رمضان إلى مشهد لا ينسى من أيام الجندية أوائل تسعينيات القرن الماضي، فبعد التحاقي بالقوات المسلحة لأداء الخدمة الوطنية الإلزامية جندي مجند بالقوات الجوية وفي ختام فترة التدريب الأولي بمنطقة كسفريت غرب القناة بين مدينتي الاسماعيلية والسويس، وخلال مشهد مهيب ليوم العرض الختامي قبل الإلحاق على الوحدات الأساسية أمرنا القائد وبصوت جهوري  :

– أنا عايز أسمع صيحة يارجالة

لبى الجنود الأمر واطلقوا صيحة عظيمة أعقبها صمت رهيب لنصف دقيقة.

القائد بنبرة حماسية آمرة : فيه أحسن من كده يا رجالة .. أنا عايزها توصل هناك وأشار بيده في اتجاه الشرق ( كل الشرق )، تمام يارجالة ؟


الجنود:  تمام يا فندم


القائد: نفذ الأمر يا بطل


وكان زئيرًا مدويًا لم أسمع مثله من قبل ولا بعد إلا في ميدان التحرير أيام ثورة يناير العظيمة، صيحة هائلة ارتجت لها الأجواء، وتردد صداها بطول قناة السويس وعرضها، شرقها وغربها، واللافت اننا سمعنا عقب الصيحة صافرة قوية لسفينة عابرة وكأنها ترد التحية للجنود  !

مليون تحية لهذا القائد العظيم المهيب المدرك بعقيدة راسخة لأبعاد الأمن القومي المصري ولكل قادة العسكرية المصرية الأفذاذ الذين سطروا تاريخ البطولة على مر التاريخ من أحمس الاول طارد الهكسوس الى العقيد الشهيد أحمد المنسي قاهر الارهاب مرورا بكل القادة العظام الذي سطروا اسمائهم بحروف من نور على صفحات المجد العسكري المصري .

هذا النشيد لأحمد المنسي !
ليدين من حَجَر و زعترْ
هذا النشيدُ .. لأحمدَ المنسيّ بين فراشتين
مَضَتِ الغيومُ و شرّدتني
و رمتْ معاطفها الجبالُ و خبّأتني
.. نازلاً من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل
البلاد و كانت السنةُ انفصال البحر عن مدن
الرماد و كنتُ وحدي
ثم وحدي …
آه يا وحدي ؟  

” محمود درويش ”

الثابت بالتاريخ والجغرافيا ومنذ عهد الفراعنة إدراك القادة العسكريين والسياسيين المصريين لأهمية الفضاء الحيوي لمصر من الحجاز شرقا بطول ساحل البحر الاحمر، شمالًا إلى أقصى حدود الهلال الخصيب، غربًا حتى بني غازي، جنوبًا حيث منابع النيل العظيم، ما استقرت عليه العقيدة الأساس للدولة المركزية المصرية والعمق الاستراتيجي لأمنها القومي قديمًا وحديثًا، ما أضحت معه مسألة العبث بالأمن القومي للامة المصرية وفضائها الحيوي وفك الارتباط الجغرافي والتاريخي والسياسي كما طرحه المدعو ” نيوتن ” على صفحات المصري اليوم لأي شبر من أراضيها، شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا ، أو حتى تطويره تحت زعم الفدرلة ضربًا من ضروب الدجل والنطاعة.. فماذا داهاكم يا أصحاب وجهات النظر تحجبون الشمس بغربال ؟

أراجيف نيوتن والذين معه ..

الأسوء من التفريط هو التعري الرخيص والسقوط المخزي والمتاجرة بما تبقى من حطام انسان الوادي التعيس باعتبار ذلك التفريط وجهة نظر، لا أحد يشغله حق الانسان الحر، جميعنا إلا من رحم يتزاكى مدعيًا فيوض العلم اللادوني، مزيج من التقعير واللوع والاستخراء واحتراف النخع الجميل .

 لماذا تقف كتاباتنا وحروفنا المزركشة عند حدود الكومباوند وواجهات المصارف وردهات المول وخزائن الرز الخليجي ومؤشر البورصة دون اعتبار لتلك الأبعاد الكبرى التي يرتكز عليها الوجود الفعلي للأمة المصرية، من أين لنا كل هذا الشلولو والرامز جلال الذي نزدرد واللوّع الذي نتقيأ ؟!

لماذا تتوارى الكتابات التي ترسم ملامح البسطاء وسير الابطال ومواكب الشهداء؟ .  تبًا لنا نحن المنعَّمون الذين لايبالون بالبديهيات، وكأن جوقة ” نيوتن ” الذين سوف يطورون ويمقرطون سيناء ليسوا هم الذين بقرطوا الوادي ونشروا في ربوعه الجوع والخراب، ندلس بلسان الواعظين المتحزلقين وكأن الذين نشروا الفتن وخرّدوا المصانع وبوّروا ملايين الافدنة الخصبة مرتعًا لحيتان الخرسانة والتخريب العقاري هم من سيحيلون رمال سيناء الى ذهب وبساتين ومحاصيل تسد رمق الجائعين، فلماذا اذن دحرجة مشاكل الوادي المصطنعة شرقًا في هذا التوقيت الذي فضح فيه كورونا الغرب والشرق .

لماذا فقط في الملمات والجائحات نحرص على التغني بالجماد والصنم، بالهوام والهوان، بكل شئ ما عدا البشر؟. لا يعنينا سوى نشوة الذات وصعود الأورجازم النخبوي والتلذذ اللعين الذي يسري في أجسادنا نحن عشاق الأبراج الزجاجية والشوبنج والانجصاع اللذيذ على ارائك الكافيهات.

فلننظر كيف فعل أصحاب الابراج الزجاجية بفقراء اليمن وثورات الربيع العربي.. الهدف واضح كما ألمح اليه الفيروس “نيوتن” المستجد بخبث ومرواغة لا تنطلي على حاذق، انهم النيوليبراليون، ضواري الارض والمال والعقار حين تطارد فرائسها قبل ان تنشب انيابها ومخالبها في قلب الجغرافيا وقد دانت لها الخريطة على منحنى القوس الابراهيمي ” من أورشليم الى مضارب طسم وجديس ” وليس شئ آخر !

الهول كل الهول فيما يدعي الشيخ على أبي الهول!

الامر جد خطير ويتسق مع مواهب أبناء العم في تثبيت مزاعمهم التوارتية ويتناغم جديًا مع الفرقعات الخبيثة التي يطلقها أمثال نيوتن وتغبطها جوقته، ولعله شيخنا المثير للجدل والدجل معًا قد أدلى بدلوه وليس بمستغرب عليه أن يكون مشاركًا في هذا العزف التوراتي ونفخ المزامير مدعيًا أن وجه أبي الهول يحمل ملامح النبي إدريس !…في فمي ماء كثير، لكن دعونا نستحضر بعض صفحات التاريخ عبر وروده في الروايات المقدسة ونقرأ بعين ” زرقاء اليمامة ” قراءة مصرية خالصة لوجه الامة والوطن .

إلا في تفاصيل صغيرة فالقران والتوارة الكريمين يتفقان على وقائع قصة النبي يوسف وصعود نجمه داخل البلاط الفرعوني، وتوليه خزائن مصر ( وزيراً للتموين والتجارة)، واستخدام سلطاته من بعد لتمكين أبيه واخوته وباقي قومه من العبرانيين دخول مصر والعيش فيها منجاة لهم من القحط والجوع الذي ضرب المنطقة وقتئذ بما فيها ارض كنعان على تخوم مصرالشمالية الشرقية .

تقول المصادر أن النبي يوسف استأذن الفرعون أن يسكنهم أرض جاسان وهي ارض مراع ( شمال بلبيس – صفط الحنة الحالية ) حيث يتاح لهم ان يمارسوا مهنتهم كرعاة للماشية ، وفي نفس الوقت ليبعدهم عن مخالطة المصريين ( الوثنيين ) في الوادي حرصاً على نقاء ذراريهم وعقيدة قومه (التوحيدية )، وايضاً تحاشياً لتذمر المصريين الذين كانوا يقذرون الرعاة ولايخالطونهم لاعتقادهم ان في ذلك نجاسة لهم .

 
تذكر التوراة أنه حين اشتد الجوع في السنوات العجاف عكف النبي يوسف ( وزير التموين والتجارة) على شراء ماشية المصريين وكل مايملكون من ارض وعقار في نظير ما اعطاهم من خزائن الطعام ثم اشترى منهم انفسهم بعد ذلك فصاروا عبيداً لفرعون ( الهكسوسي ) بطعام بطونهم ** .


الثابت لدى معظم المؤرخين المحدثين أن العبرانيين ( قوم يوسف ) دخلوا مصر في عهد الهكسوس وهو العهد الذي يمثل الاسرتين الخامسة عشر والسادسة عشر الذي بدأ حوالي سنة 1800 قبل الميلاد ..بلغت سلطة الهكسوس ( وهم قبائل رعاة اسيوية ايضا كبني اسرائيل ) أوجها واتخذوا من مدينة ” أواريس ” في دلتا النيل عاصمة لهم قبل طردهم من مصر على يد أحمس الاول، أول ملوك الاسرة الثامنة عشر، وقد خرج العبرانيون ( طُردوا ) من مصر في ذلك التوقيت تقريباً أو بعده بقليل وهم في ذاك الوقت ” قوم موسى ” !!


الشاهد فيما سبق تاريخياً وبعيدأ عن التعاطي العقدي أن ثمة غبن وجور عظيمين لحقا بالأمة المصرية فترة سيطرة تحالف قبائل الرعاة الاسيويين من عربان وعبرانيين على مصر طوال 300 سنة تقريباً قبل ان يطردهم منها القائد المصري أحمس الاول .. لست شوفينياً بالطبع لكن مصري للنخاع، وظني المتواضع ان ذلك الخطر الهكسوسي العبراني عاد يطل برأسه من غياهب التاريخ وبات حاضراً الان في المشهد المعاصر متمثلاً حلفاً واقعًا ( ارهابًا وتفريطًا ) على قوس “أورشليم -طسم وجديس ” مدعومًا بدجل اليمين العنصري الامريكي لضرب طموحات الامة المصرية وكل الامم حضارية الجذور واجهاض حلمها في النهوض والتحرر والديمقراطية !


في البدء والختام ..الصراحة راحة !

فما بين الميلاد والرحيل اختبارات ومحطات عديدة اجعلوا منها ولو لمرة واحدة محطة صدق واختبار مروءة وشفافية، اختلسوا حبة صراحة من حانوت الاخلاق وتمثلوا انفسكم مرة بفؤاد المهندس على شريط فيلم ” ارض النفاق ” ( من ١:٠٩:٢٤الى ١:١١:٢٤)


عود على بدء … المجد للابطال من أحمس الأول حتى أحمد المنسي !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

** قصص الانبياء ، الشيخ عبد الوهاب النجار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *