جمال عبدالقادر يكتب: مقامات الأولياء والأضرحة في السينما… تمسك بالتراث ورفض التطور واستغلال للجهل 

إذا اردت ان تتعرف على ثقافة مجتمع وعاداته وتقاليده عليك ان تنظر للسينما التي يقدمها، فالسينما هي انعكاس للمجتمع ومرأته التي تُظِهر صورته كما هي، ولان الاضرحة ومقامات الاوليا لها دور كبير في المرورث الشعبي وحواديت التراث والاجداد، كان منطقيا ان تتعرض  لها السينما وتظهر في عِدة اعمال سواء كان بشكل محوري اوهامشي، جاءت كما في التراث للتبرك وطلب المدد والعون امام الأزمات والمشاكل او استغلال المحتالون لجهل البسطاء وتمسكهم بهذه العادات، ونحن هنا لا نناقش الرأي الشرعي في الاضرحة ومقامات الاوليا، ولكن نعرض كيف تعاملت السينما مع هذا الامر من منطلق فني فقط. 

فيلم طريد الفردوس انتاج 1965 لـ توفيق الحكيم 

تدور الاحداث حول عليش رجل قوي البنية يعيش في قرية صغيرة ويعمل في احد الموالد خادما للضريح، يقف احد الرجال وسط الناس يحاول نهيهم عن ما يفعلون وان هذا الدجل والجهل لا علاقة له بالدين، راقصة بالموالد تراود عليش، لكنه يرفض وتضع له  جوزة الطيب في الطعام لاثارته لكنه يموت، يصنع اهل القرية ضريحا له للتبرك به ! ويصعد للسماء ويستقبله حارسي الجنة والنار ويقررا منحه فرصة ثانية والعودة للأرض حتى يعمل صالحا أو ذنبا، ينزل الارض ويعود للقرية ويجد ضريح ومقام له، يترك القرية وينزل للقاهرة ويعمل فتوة في احد الكباريهات ويدخل في علاقة مع راقصة ويعيش حياة المجون والمتعه، ثم يعمل بالمخدرات ويجمع مالا كثيرا، حتى يلتقي مدرسة اطفال تحاول نصحه وعودته لحياة الخير، وبالفعل يقرر الابتعاد عن الراقصة والكباريه والمخدرات ويعود لقريته وعمل مشروع خيري لمساعدة الفقراء، يجد الاهالي تتبرك بالضريح الذي يحمل اسمه يحاول اقناعهم أنه ما زال حيا ولا يوجد شيء داخل الضريح وأن كل هذا باطل، إلا أن أهل القرية تكذبوه ويتعرض للضرب منهم حتى الموت، يقترب منه أحد الرجال الي حاول نصح الاهالي في البداية يطلب منه عليش الاستمرار في توعية اهل القرية. 

تعرض الفيلم لمقص الرقيب وحذف العديد من المشاهد ومازال ممنوعا من العرض على كثير من القنوات، والقنوات التي تعرضه تحذف منه العديد من المشاهد خاصة الحوار بين البطل وحارس الجنة وحارس النار.  

فيلم قنديل ام هاشم انتاج 1968 

احد اهم افلام السينما المصرية ويحتل المركز الـ 63 في قائمة افضل 100 فيلم، عن رواية لـ يحيى حقي بنفس الاسم، تدور الاحداث حول اسماعيل ابن حي السيدة زينب والذي تربى بجوار مقام الست ونشأ نشأة دينيه، سافر إلى المانيا لدراسة الطب وانبهر بالحضارة الاوربية التي اخدته من نشأته الدينية وثقافته الشرقية، وعندما عاد لأهله من اجل مساعدتهم بما لديه من علم، افتتح عيادة في الحي لمعالجه ابناء الحي ولكنه تفاجي من بطء استجابتهم للعلاج وبعضهم لا تتحسن حالته حتى عرف ان الجميع يستخدم زيت القنديل الموجود في المقام مما جعله يفشل في علاجهم، كما وجد امه تضع لابنة عمه زيت القنديل في عينيها كعلاج للرمد وكانت النتيجة انها فقدت بصرها مما اضطره لللذهاب للمقام وتحطيم القنديل وسب الناس جميعا واتهامهم بالجهل، مما جعل اهل الحي يعتدوا عليه بالضرب واتهامه بأنه يحتقر دينهم ومعتقداتهم ويكره الست (السيده زينب) حتى ابويه غضبوا عليه وقاطعوه، كل هذا بتحريض من خادم المقام و حلاق الصحة المستفيدين من جهل الناس ولجوءهم للخرافات في العلاج، يُراجع اسماعيل نفسه ويلجأ للحيلة في مواجهة طوفان الجهل والدجل، يعتذر للجميع ويتبرك بالمقام ثم يفتتح العيادة مرة اخرى ويُصر على وجود الزيت في العيادة حتى يطمئن الجميع له وتعود ثقتهم فيه مرة اخرى، ثم يبدأ في العلاج بالعلم وليس بالخرافات حتى في علاجه لابنة عمه يلجأ للحيلة مع امه 

الام : ايه لازمة العملية ما زيت القنديل كفاية 

اسماعيل: لأ، زيت القنديل ده بركه بس، لكن لازم نعمل العملية 

وتنجح العملية ويعود النظر لها، ولا نعرف هل بالعلم فقط ام بقوة روحانية ونفسية ايضا؟ ايضا شخصية نعيمة العاهرة التي تحترف البغاء وتحاول ان تبتعد عن هذا الطريق وتلجأ لمقام الست تطلب منها المدد والعون حتى تترك هذا الطريق وتبتعد عنه  

المح يحيى حقي ان مواجهة الجهل والموروثات القديمة لابد وان يكون بالتدريج وبأحترام عادات الناس وبساطتها وليس بالقوة ولا باحتقارهم. 

فيلم للحب قصة أخيرة لـ رأفت الميهي،1986  

واحد من اهم افلام السينما المصرية ويحتل المركز الـ 60 في قائمة افضل 100 فيلم، تدور الاحداث حول رفعت المدرس الالزامي والمتزوج من سلوى المدرسة ولا ينجب بسبب مرضه بالقلب، تحاول امه ان تطلقه منها بحثا عن زوجه أخرى وإلا حرمته من الميراث، لكنه يرفض حبا في زوجته، على ارض الجزيرة هناك مقاما لشخص اسمه التلاوي هو في الاصل مجرم وتم قتله ولكن بعض اعوانه وبعض المشايخ صنعوا له مقاما وادعوا انه عاد من الموت ويعيش داخل المقام وله قوة روحانية كبيرة تعالج الامراض وتفك الازمات، وبدأوا في ابتزاز وسرقة اهل الجزيرة واستغلال جهلهم من خلال هذا الدجل الديني، تحاول ام هناء اقناع سلوى بالذهاب للمقام وطلب المدد من التلاوي في حل ازمتها والانجاب، لكنها ترفض لعدم اقتناعها بهذا الامر ولكن تحت ضغط من صديقتها وامام رغبتها في حل مشكلتها تذهب للمقام وتدعو التلاوي لمساعدتها، ونفس الوقت يطلب رفعت من الطبيب ان يُبلغ سلوى ان هناك خطأ في الاشعة حدث وان رفعت سليم، تعتقد سلوى ان الدعاء كان له مفعول قوي، لكن بعد وفاة رفعت تعرف الحقيقة وتذهب إلى المقام ومعها بعض عقلاء الجزيرة وتحطم المقام على من فيه. 

تم تقديم المقام هنا من خلال استغلال جهل وضعف الناس في النصب عليهم و الايحاء لهم بحل مشالكهم بعيدا عن الحلول الواقعية والحقيقية والتي قد تكون بعيدة إلى حد ما لكنها حقيقية. 

فيلم الليلة الكبيرة انتاج عام 2015  

تدور احداث الفيلم في ليلة واحدة وفي مولد سيدي عرش الدين من خلال عدد من الشخصيات من اماكن مختلفة وثقافات وطبقات مختلفة جاءوا إلى المولد و كل له هدف، هناك الست امنية بنت هاجر والتي تعيش في المقام وتساعد الزائرين حتى يغفر لها الله خطايا الماضي، وهناك ام البنات التي جاءت للمقام ترجو عرش الدين ان يساعدها في ان تنجب الولد حتى لا يضيع ارث الزوج بسبب انجابه للبنات، والدكتور الذي يسيطر على ارض المولد والمقام و يبدأ في نشر الدجل الديني وافكاره المتخلفه وسط البسطاء، وهناك ايضا يقف المؤمن البسيط المتردد بين الصح والخطأ في محاولة لمقاومة الدكتور في نشر الدجل، والمريض النفسي بسبب ممارسة امه للدعارة في الموالد امامه. 

شخصيات متبانية جاءت للمقام باهداف مختلفه لكن يجمعها الجهل وقلة الوعي والبحث عن  حل لمشاكلهم عن طريق الدجل والجهل والذي يستفيد منه البعض ويساعد في نشره لتحقيق اهدافه الخاصة. 

فيلم صاحب المقام انتاج 2020  

والذي تدور احداثه حول رجل اعمال يقرر هدم ضريح لاحد الاولياء من اجل بناء مشروع سياحي كبير، ورغم تحذيرات البض و اولهم اخيه ان لا يقعل ذلك  حتى لا يتعرض لغضب الصالحين و لعنتهم، الا انه يُصر على استكمال مشروعة وهدم الضريح، وبعدها تحدث له عديد من المشاكل الا انه يُصر ان لا علاقة هذا بهدم الضريح حتى تُصاب زوجته بنزيف في المخ و تدخل  في غيبوبة، وبشعر يالقلق ان ما يحدث له شيئا غريبا، تظهر له شخية غريبة اسمها روح تبدأ في توجيهه إلى الحل الصحيح وهو الذهاب لاضرحة ومقامات مختلفه واخد خطابات اصحاب المشاكل للاولياء وحلها حتى يرضوا عنه وتنتهي مشاكله، وبالفعل يفعل هذا وتنتهي بعد ذلك كل مشاكله ولكنه يتبدل حاله ويصبح اكثر انسانية واهتمام بالاخرين ومساعدة المحتاجين اكثر من الماضي. 

كعادة افلام ابراهيم عيسى هناك سذاجة في الطرح والحبكة الدرامية اخر ما يهمه، الفيلم عبارة عن مقالة مُصورة، الاولى عند ابراهيم عيسى هي المشاهد الطويلة والعميقه والتي لا تخلو من التنظير والعمق، قد يكون افضل افلامه بسبب الضعف الشديد في اعماله السابقه وليس تميز الاخير. 

ظهرت الاضرحة بشكل هامشي في افلام عديدة كما في “الزوجة الثانية” عندما ذهبت فاطمة لسيدنا الحسين تطلب منه المدد والعون في مواجهة العمدة عتمان، وفي فيلم “المولد” ذهبت الام بركه تدعو السيدة زينب ان تبحث لها عن ابنها الغائب والذي يعود لها شابا كبيرا وغنيا، لكن في الفترة الاخيرة وبخلاف فيلم صاحب المقام اختفت الاضرحة وكل التراث الشعبي من على شاشة السينما لسببين: 

الاول هو تغير تركيبة الجمهور الذي أصبح اكثر وعيا في هذه الامور كما اصبح اكثر ارتباطا بالثقافة الغريبة وهناك حالة من الاستعلاء على كل ما هو شعبي، السبب الثاني هو اهتمام السينما التجارية بافلام الاكشن والاثارة والتي غالبا ما تكون منقولة او شبيهه بالافلام الامريكية وبالتالي اختفت الافلام الشعبية والقصص الشعبية والتراثية وانتقلت العدوى للدراما التليفزيونية وتحولت لمسلسلات اكشن و مطاردات ايضا.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *