تقرير لـ”بي بي سي”: هذه هي السيناريوهات المحتملة حال فشل تفاوضات سد النهضة.. وخبراء يؤكدون أن الحل العسكري مُستبعد

كتب – أحمد سلامة

في تقرير أصدرته “بي بي سي”، حول مفاوضات سد النهضة، رصدت فيه تطور تفاوضات سد النهضة بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا والسيناريوهات المحتملة حال فشل هذه التفاوضات.

وقالت “بي بي سي” في تقريرها، “منذ انطلاق المفاوضات قبل نحو عقد، أي منذ بدء بناء السد عام 2011، تطالب مصر والسودان باتفاق قانوني ملزم يشمل النص على قواعد أمان السد، وملئه في أوقات الجفاف، ونظام التشغيل، وآلية فض النزاعات. كما يُصاغ اتفاق بشأن أوجه التعاون لتحقيق طموحات الشعوب الثلاثة، بينما تتمسك إثيوبيا بالتوقيع على قواعد لملء السد وتشغيله يمكن تغييرها مستقبلاً بمجرد الإخطار، ودون اشتراط موافقة مصر والسودان، كما ترفض إثيوبيا التقيد بمرور كمية معينة من المياه بعد انتهاء ملء الخزان وتشغيل السد”.

وأضافت “وبخصوص فترة ملء الخزان، ترى مصر أنه يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء في موسم الفيضانات فقط، في حين تريد إثيوبيا ملء السد خلال ثلاث سنوات، ويستمر الملء طوال العام”.

وأشارت إلى أن “مصر وإثيوبيا والسودان أخفقوا في التوصل لاتفاق حول هذه النقاط مرات عدة، آخرها كان في محادثات استضافها الاتحاد الإفريقي في يوليو الماضي. لكن الجولة الحالية من المفاوضات، بحسب بيان لوزراة الري المصرية، ستركز على قواعد ملء السد وتشغليه فقط، أما التفاوض حول المشروعات المستقبلية فسيكون لاحقا”.

ولفتت إلى أن “المحاولات السابقة للتفاوض أسفرت عن توقيع بيان النقاط السبع في مالابو (يونيو ٢٠١٤)، وخارطة الطريق في سـبتمبر٢٠١٤، واتفـاق إعـلان المبـادئ بـالخرطوم في مارس 2015 وهي جميعها تنطلق مـن تصور يصون المصالح المصرية والسودانية، كما وافقت إثيوبيا على وثيقة مخرجات سد النهضة بالخرطوم في مايو 2018. وزار رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد مصر في يونيو ٢٠١٨، ليؤكد احترام الحقوق المتبادلة في التنمية دون إضرار بالآخرين. ووُقع اتفاق مبدئي بواشنطن (اتفاق النقاط الست)، إلا أنه لم يتم التوصل لاتفاق شامل وملزم بشأن السد”.

وحسب “بي بي سي”، يقول المحلل السياسي الدكتور هيثم محمد، إن البعض يظن أن أمد المفاوضات طال، لكن المفاوضات الحقيقة لم تبدأ إلا مؤخرا، قبل ذلك كانت مجرد اجتماعات لجس النبض، واتفاقات مبدئية ووعود بعدم الإضرار بمصالح مصر والسودان، الآن بعد بدء ملء السد، نقاط التفاوض والمواقف باتت أكثر وضوحا والتحركات تسير بشكل سريع من كل الأطراف، ويُمكن خلال هذه المفاوضات التركيز على التعاون بين مصر و إثيوبيا والسودان، فإثيوبيا تريد توليد كهرباء، ومصر لديها شبكة ربط كهرباء لدول المنطقة، كما أن هناك أيضا إمكانية تعاون اقتصادي وزراعي ورعوي بأسعار تنافسية تحقق الفائدة للجميع.

ويؤكد أن الفرصة قائمة لإنقاذ المفاوضات هذه المرة حيث إن الموقف المصري والسوداني متطابقان ما يجعلهما أكثر قوة خاصة بعد رفض الخرطوم التوقيع على اتفاق ثنائي مع إثيوبيا، بدون مصر، كما أن تحقيق الاستفادة القصوى لإثيوبيا من السد تستلزم تحول مصر والسودان إلى معابر لتصدير الطاقة إلى أسواق آسيا وشمال أفريقيا بدلا من الاقتصار على تصديرها لدول الجوار الإثيوبي.

وعن السيناريوهات المحتملة، تقول “بي بي سي”، إذا فشلت المفاوضات، سيكون أمام الاتحاد الإفريقي خياران: تحويل القضية إلى إحدى اللجان الخاصة التابعة للاتحاد لاستمرار التفاوض، كلجنة الأمن والسلم أو لجنة الحكماء. وبحسب عدد من الخبراء فإن هذا يضر مصر و السودان و “مضيعة للوقت”.

أما الخيار الثاني، فهو إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي حيث يمكن للمجلس نقل تعامله مع الأزمة من الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة إلى الفصل السابع، ليطالب إثيوبيا بوقف ملء السد لحين توقيع اتفاق، كما يمكن أن يحيل القضية إلى محكمة العدل الدولية. ورغم أن قرار محكمة العدل لن يكون له حجية قانونية، كما يشير إلى ذلك مدير مركز البحوث الإفريقية في جامعة القاهرة، أيمن شبانة، لكن ستكون له أهمية سياسية.

لكن ليحدث هذا على القاهرة والخرطوم الحصول على دعم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما يبدو غير مضمون إذ تشير التقارير إلى أن الصين وروسيا ستعارضان الخطوة، لأنهما لا تريدان إرساء سابقة فكلتاهما لديها نزاعات نهرية مع جيران المصب.

كذلك بنوك الصين تشارك في تمويل السـد، وتتولى إحدى الشركات الصينية توزيع الكهرباء التي سينتجها السد. لكن إذا حدث تحرك أمام العدل الدولية فالموقف القانوني لمصر والسودان سيكون أقوى من إثيوبيا استنادا للاتفاقيات التاريخية.

وبحسب الدكتور أيمن شبانة، إلى جانب ذلك هناك معركة دبلوماسية و قانونية يمكن لمصر و السودان خوضها أمام منظمات أخرى كاليونيسكو باعتبار أن الآثار في شمالي السودان و جنوبي مصر ستكون معرضة للخطر حال انهيار السد، كذلك المنظمات المعنية بالبيئة لأن نقص المياه سيوثر بالضرورة على المزروعات والحيوانات في القارة بالكامل.

ولفتت “بي بي سي” إلى أن مصر تقدمت بمذكرة إلى مجلس الأمن في مايو٢٠٢٠ لإخباره بتطور المفاوضات باعتباره “موقف قد يهدد السلم والأمن الدوليين”. وهو ما اتبعته السودان بخطاب يحمل ذات المضمون.

وبعد فشل المفاوضات التي دعت لها السودان آنذاك، تقدمت مصر بشكوى إلى مجلس الأمن تتهم إثيوبيا فيها بخرق اتفاق إعلان المبادئ، وتحذر من عواقب ملء السد بدون اتفاق، ففوض المجلس الاتحاد الإفريقى برعاية المفاوضات التي أعُلن فشلها سابقا قبل استئناف هذه الجولة.

وأشارت “بي بي سي” إلى أن مصر والسودان يستندان إلى اتفاقيتي 1929 و1959، إذ أقرّت الحكومة البريطانية في اتفاقية 1929 بـ “حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل”. وتمنح هذه المعاهدة مصر حق النقض (فيتو) على أي مشروع يُقام على مجرى النيل، ثم في عام 1959، أبرمت مصر والسودان اتفاقا حول تقاسم موارد النيل، على أنْ تأخذ مصر النصيب الأكبر، دون إشارة إلى أيّ من دول حوض النيل التسع، بما فيها إثيوبيا.

في حين ترفض إثيوبيا الاعتراف بهذه الاتفاقيات، باعتبار أنها أبرمت دون تدخلها. وبحسب مسؤولين إثيوبيين “السماح بمرور كمية محددة من المياه يعد تأكيدا لامتيازٍ منحه الاستعمار لمصر، وهو ما سيبدو كما لو كان نوعا جديدا من الاستعمار”.

وفي مقارنة بين القدرات البشرية، قالت “بي بي سي” إنها تصب في صالح إثيوبيا لأنها أكثر سكاناً، إذ تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بإفريقيا تليها مصر في المرتبة الثالثة.

أما من الناحية الاقتصادية، فقد قالت الصحيفة إن إجمالي الناتج المحلي المصري يبلغ – وفقاً للقيمة الأسمية – 302 مليار دولار مقابل 91.66 مليار دولار لإثيوبيا، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2019، أي إن الناتج المحلي المصري 3 أضعاف الإثيوبي.

واستكملت “تصنف التقديرات الجيش المصري كجيش قوي بالشرق الأوسط. لكن بحسب التصريحات المعلنة، فإن القيادة المصرية تلتزم بالتوصل لحل عبر المفاوضات”.

ورغم التفوق العسكري المصري، كما يقول هيثم محمد، إلا أن استخدام القوة مستبعد في ظل تعقد الأوضاع الإقليمية والدولية في ليبيا وغزة وسيناء، ويتفق شبانة في استبعاد الخيار العسكري، في ظل التحصينات الأمنية بمنطقة السد، وارتباط أديس أبابا باتفاقات أمنية مع إسرائيل وتركيا، كما أن إثيوبيا تشارك في المفاوضات، الأمر الذي قد يظهر مصر في صورة الدولة المعتدية إذا أقدمت على عمل عسكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *