تقرير: أحكام سجن قاسية على ناشطات سعوديات بسبب إعجابات على منشورات وإعادة تغريد أخرى (مجتمع بن سلمان مكمَّم الأفواه)

دويتش فيله 

بعد أن قضت محكمة سعودية في 9 أغسطس سجن سلمى الشهاب  لمدة 34 عامًا، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض بعدها في نفس الشهر حكمها على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن لمدة 45 عامًا. 

تتشابه القضيتان في العديد من النواحي – حيث تمت إدانة كلتا المرأتين بموجب قانون مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، بسبب إبداء الإعجاب أو إعادة تغريد مقالات على وسائل التواصل الاجتماعي، من تلك التي تدعم حقوق الإنسان وحقوق المرأة، رغم أن أياً من السيدتين لم تكن معروفة للرأي العام. 

وعلى غرار الحكم على سلمى الشهاب، يدين الحكم القحطاني بـ”انتهاك النظام العام” و”استخدام شبكة الإنترنت لتمزيق النسيج الاجتماعي (السعودي)”، كما ورد في مستندات المحكمة، التي تم تحليلها من “منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن”.  

تأسست المنظمة، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، في فبراير 2018 من الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل وقُطّعت أوصاله بعد نصف عام من تأسيسها في القنصلية السعودية في إسطنبول. 

اغتيال خاشقجي أثار عاصفة من الاحتجاجات الدولية ضد السعودية، وما تبع ذلك من إهمال الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهكذا بقيت السعودية معزولة بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان حتى 2022. 

فقط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والنقص المتوقع في النفط، عاد الدفء إلى العلاقات مع السعودية، وحظيت الدولة الغنية بالنفط بترحيب الحلفاء الغربيين مرة أخرى هذا الصيف، حيث زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة والتقى بمحمد بن سلمان. كما سافر الأخير إلى عدة عواصم أوروبية. 

لذلك كان توقيت الحكمين القاسيين الأخيرين لافتا لانتباه المحللين، لأنه يأتي مع  عودة الدفء للعلاقات السياسية بين السعودية والولايات المتحدة وأوروبا. 

“لقد اختارت القيادة السعودية أن تُظهر للولايات المتحدة والغرب عمومًا أن لديها نفوذا كبيرا حاليا، وأنها في موقف قوي بحيث يمكنها المضي قدمًا في نهج شديد القسوة لفرض القانون، ولن تأخذ في عين الاعتبار أي طلب غربي بهذا الشأن”، تقول سينزيا بيانكو، الباحثة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في حديثها لـDW. 

يتفق مع هذا الرأي عبد الله العودة، مدير قسم منطقة الخليج في “منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن”. ويقول في بيان: “من المستحيل عدم الربط بين لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس بايدن الشهر الماضي في جدة من جهة،  وتصاعد الهجمات القمعية  ضد كل من يجرؤ على انتقاد ولي العهد أو الحكومة السعودية بسبب الانتهاكات الموثقة”. 

وهو ما تؤكده أيضا لينا الهذلول، شقيقة  الناشطة المعروفة لجين الهذلول، والتي تعمل الآن مديرة للاتصالات والمراقبة في منظمة قسط لحقوق الإنسان، ومقرها لندن. 

وتقول لينا الهذلول في حوار مع DW: إن “العقوبة القياسية الجديدة بحق نورة بنت سعيد القحطاني هي رسالة واضحة من محمد بن سلمان توضح أنه لن يتراجع عن قمعه، وسيزيد من وحشيته تجاه أي شخص يجرؤ على التعبير”. وهي مقتنعة بأن الهدف النهائي لولي العهد هو “قيادة المملكة العربية السعودية بمجتمع مكمّم الأفواه وخائف”. 

ولكن يجب القول إن السنوات الخمس الماضية، أي منذ تسلم ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 36 عامًا، مقاليد الحكم عمليًا في البلاد، خضعت السعودية لإصلاح اقتصادي وإعادة هيكلة في إطار ما يعرف بـ”رؤية 2030”، والتي تضمنت أيضًا منح المرأة المزيد من الحقوق. 

فمثلا ألغي نظام الوصاية التقليدي، مما يعني حصول المرأة السعودية على حق العيش بمفردها، والتسجيل للطلاق أو الزواج دون موافقة ولي الأمر. كما صار يسمح لها بقيادة السيارة والانضمام إلى الجيش وتعزز دورها في سوق العمل. وبات لها الحق في السفر إلى الخارج وأداء مناسك الحج والعمرة بدون محرم. 

ولكن الباحثة سينزيا بيانكو تلاحظ هنا أن “إصلاحات التحرر الاجتماعي والاقتصادي التي تبناها محمد بن سلمان كانت تركز دائمًا وبشكل حصري على التحرر الاقتصادي والمجتمعي. بينما يزداد الوضع سوءًا فيما يتعلق بالحريات السياسية والمدنية”. 

في غضون ذلك، أضيف هذا الأسبوع مثال ثالث إلى سلسلة الانتكاسات الأخيرة لحقوق المرأة في السعودية. ففي مقطع فيديو، انتشر على نطاق واسع تحت هاشتاغ #يتيمات_خميس_مشيط، يقوم رجال شرطة ومسؤولون أمنيون بضرب فتيات بقبضات أيديهم وبأحزمة جلدية وعصي خشبية. كما يقوم أحد المشاركين بجر امرأة تصرخ من شعرها عبر الفناء الخلفي لدار للأيتام في خميس مشيط، الواقعة على بعد حوالي 880 كيلومترًا جنوب غرب الرياض. 

تحرك حقوقي دولي 

وبينما لم يتم تأكيد التوقيت الدقيق للفيديو ولا خلفيته، أفادت وسائل إعلام عربية مختلفة أن الفتيات سبق وأن انتقدن الظروف المعيشية في دار الأيتام. 

ولكن عقب الاحتجاجات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الفيديو، دعا أمير المنطقة تركي بن​​طلال بن عبد العزيز إلى فتح تحقيق شامل في الحادث و”إحالة القضية إلى السلطة المختصة”. 

في المقابل، وعلى أمل زيادة الاهتمام الذي قد يؤدي إلى ضغوط دولية على السعودية، وقّعت حوالي 30 منظمة حقوقية دولية على رسالة مفتوحة بشأن الناشطة المعتقلة سلمى الشهاب. وتقول الرسالة: “على عكس خطاب السلطات بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة والإصلاحات القانونية، فإن المحركين الحقيقيين باتجاه الإصلاح – أي النشطاء المطالبون بالحقوق الأساسية – لا يزالون مستهدفين بلا رحمة ويتم إسكاتهم”. 

وإذا كان من الممكن تحديث الرسالة الآن في بداية سبتمبر، فمن المؤكد أنها ستشمل أيضًا الضرب الوحشي للنساء في دار الأيتام، والحكم القاسي الجديد الذي صدر بحق نورة بنت سعيد القحطاني. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *