إلهامي الميرغني يكتب: 14 سنة على ثورة يناير

في عام 2025، تكون قد مرت 14 سنة على ثورة الشعب المصري في 25 يناير التي أسقطت مبارك، لكنها لم تُسقط النظام أو تغيّره. فقد ظل النظام يتلوّن ويتغير حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن. كانت يناير انتفاضة عفوية كبرى أرادت الإطاحة بمبارك ومشروع التوريث ونجحت. ولكن في فترة ملء الفراغ، كان الصراع محتدمًا بين أجهزة الدولة العميقة، التي ضحّت بالرئيس ليبقى النظام، وقوى الإسلام السياسي التي كانت جاهزة للقفز على الثورة والحكم. بل وشاهدنا تحالفًا إسلاميًا قويًا بين الإخوان والسلفيين والجهاديين، وظهرت حركة “حازمون” التي يقودها حازم صلاح أبو إسماعيل، ليصبح هذا التكتل هو الأكثر تماسكًا والأقرب إلى السلطة.

تأميم الحياة السياسية منذ عقود طويلة وحصار السياسة واعتبارها رجسًا من عمل الشيطان، وتحكم الأجهزة الأمنية في المشهد السياسي، أفرغ الحياة السياسية ومنع ظهور أي تيار سياسي يمكن أن يكون البديل. التيار الليبرالي، على سبيل المثال، كانت أحزابه الكبرى ضعيفة مثل “الوفد” و”الغد” و”الجبهة الديمقراطية”، وقد نجحت الأجهزة الأمنية في إشعال الصراعات داخل هذه الأحزاب.

أما القوى الاشتراكية فكانت في حالة مزدوجة وسط التحركات الجماهيرية. فقد كان هناك نهوض عمالي متواصل منذ عام 2000 وحتى 2011، مع أكثر من عشرة آلاف احتجاج عمالي، إلى جانب حركة فلاحية تشكلت في مواجهة قانون الإيجارات الزراعية وأزمة أراضي الإصلاح الزراعي. ورغم تأميم ومصادرة النقابات المهنية منذ 1992، ظهرت حركات مستقلة مثل “أطباء بلا حقوق”، و”معلمون بلا نقابة”، و”مهندسون ضد الحراسة”، و”المهندسون الديمقراطيون”. وفي قضية السكن، تشكلت لجان شعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة ومثلث ماسبيرو. كما شهدنا حركات بيئية مثل حركة سكان وادي القمر في الإسكندرية ضد تلوث مصنع الأسمنت.

إضافة إلى ذلك، تم تشكيل “اتحاد أصحاب المعاشات”، و”لجنة الدفاع عن الحق في الصحة”، و”لجنة الدفاع عن أموال التأمينات الاجتماعية”، و”اللجنة التنسيقية للدفاع عن الحقوق والحريات النقابية والعمالية”. وقد استطاعت الحركة تأجيل تطبيق قانون الإيجارات الزراعية ووقف بعض عمليات الخصخصة، ووقف خصخصة الصحة، والحكم بالحد الأدنى للأجور. وعشية الثورة، انتُزعت أربع نقابات مستقلة: الضرائب العقارية، أصحاب المعاشات، المعلمين المستقلة، والخدمات الصحية.

على مستوى العمل الجماهيري، ورغم الصعود الجماهيري والتعبئة، لم تمتلك القوى الاشتراكية أحزابًا حقيقية. ولم تنجح في بناء كتلة فكرية وسياسية وجماهيرية تمتلك رؤية للمستقبل وبديلًا واضحًا يمكنها من الوصول إلى الحكم. لذلك، عندما سقط مبارك، لم تستطع القوى الليبرالية والاشتراكية التقدم للسلطة وملء الفراغ، واستمرت ثنائية الصراع بين الدولة العميقة والإسلام السياسي، وأقوى فصائله جماعة الإخوان المسلمين. وحدث ما حدث حتى وصلنا إلى 30 يونيو، حيث تمت مصادرة الحياة السياسية بشكل غير مسبوق جمع بين استبداد وفساد كل الأنظمة السابقة منذ 1952 وحتى 2010.

المشهد السياسي الآن

الآن، وبعد 14 سنة على 25 يناير، نجد أنفسنا أمام حصار للأحزاب والإعلام والحق في التنظيم المستقل، مع الآلاف من سجناء الرأي. كما أصبحت الأحزاب التي تُبنيها الأجهزة الأمنية تشكّل مجلس النواب، لضمان تمرير السياسات والقوانين المعادية للحريات، والتي تعمق التبعية.

ما العمل؟

الآن، وبعد مرور 14 سنة على ثورة 25 يناير، لا بد من خطة للخروج من الأزمة، تقوم على:

الإفراج عن كل سجناء الرأي السلميين، ووقف استخدام الحبس الاحتياطي كوسيلة لإبعاد ومعاقبة النشطاء والسياسيين.

رفع الحصار عن الأحزاب الشرعية القائمة، والسماح لها بالنشاط الذي يعرّف الناس برؤية هذه الأحزاب، حتى يمكن المفاضلة والاختيار من بينها.

رفع الحصار عن الإعلام، والتعددية التي تسمح بوجود الرأي والرأي الآخر، ليكون الشعب هو الذي يقيم ويختار.

تعديل قانون الانتخابات لتكون بالقوائم النسبية والفردي، وبما يسمح بتمثيل قوى المعارضة، ومنع انفراد الأجهزة الأمنية بالتعيينات في المجالس النيابية.

كفالة الحق في التنظيم بالإشهار للأحزاب والنقابات والجمعيات والتعاونيات.

أما بالنسبة للقوى الاشتراكية، فيجب أن تعتمد خطة الخروج من الأزمة على:

توحيد القوى الاشتراكية في حزب واحد قوي قادر على المنافسة الجادة، والتمثيل في المجالس النيابية، والوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

بلورة رؤية علمية للتغيير المطلوب سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، انطلاقًا من الواقع الحالي نحو بناء دولة ديمقراطية علمانية حديثة وتنمية مستقلة.

إصدار مجلة فكرية يتم من خلالها الحوار حول كيفية الخروج من الأزمة، والطريق للتنمية والاستقلال الاقتصادي.

استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي لعرض الموقف من القضايا والمشاكل التي تشغل الرأي العام.

السعي لانخراط كل الشعب المصري في تنظيمات تعبر عن مصالحه، مثل النقابات والجمعيات والتعاونيات واللجان الشعبية.

إن 25 يناير حلقة من حلقات الثورة المصرية التي لم تكتمل بعد، ولن تتم بضربة قاضية، بل عبر جولات مستمرة ومرتبطة بنشاط الأحزاب على اختلاف توجهاتها، وتنظيم الجماهير، وبناء وعي جديد. لذلك نقول إن الثورة مستمرة، وكل عام ومصر والمصريون بخير.
Now

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *