إلهامي الميرغني يكتب: تأملات في مشروع الموازنة الجديدة.. 4– ضرائب الدخل

يشكل النظام الضريبي في أي دولة الركيزة الرئيسية لتمويل الانفاق الحكومي، كما يلعب النظام الضريبي الدور الرئيسي في إعادة توزيع الثروة والدخل في أي دولة، وعندما رفع ثوار يناير شعار “العدالة الاجتماعية” ضمن شعارات ثورة يناير الرئيسية، كان الحديث عن إصلاح النظام الضريبي ليقوم بدوره في إعادة توزيع الثروة والدخل وكأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. لذلك نهتم عند تحليل الموازنة بالتوقف في محطة الموارد الضريبية لنعرف من أين تمول الدولة استخداماتها ومصروفاتها.

بالنظر إلى مشروع موازنة مصر 2021/2022 المعروضة الآن علي المجالس النيابية نجد أن موارد مصر 55% منها ضرائب و 43% قروض وإصدار أوراق مالية من أذون وسندات خزانة. أي ما يقرب من نصف الموارد يمول بالقروض. وتظهر الموازنة أن الايرادات الضريبية تبلغ 983 مليار جنيه. ويمثل ذلك المبلغ 72% من الإيرادات، 40% من الموارد و 13.8% من الناتج المحلي الاجمالي للعام المالي الجديد.

الضرائب إلى الناتج المحلي عالمياً

باستخدام معلومات البنك الدولي حول نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي نجد الآتي :

–         علي مستوي الدول العربية تمثل الإيرادات الضريبية عام 2019 وفقاً لآخر بيان متاح 21.4% في المغرب و 21.1% في تونس و 15.3% في لبنان و 14.8% في الأردن.

–         علي مستوي مجموعة من الدول المتوسطة والمنخفضة النمو نجد ليسوتو 32.7% و موزامبيق 27.1% ، جنوب إفريقيا 26.7% ، صربيا 24.1% ، إسرائيل 22.5% ، زيمبابوي 20.7% ، أوكرانيا 19.2%، السلفادور 18% ، تركيا 16.5% ، الفلبين 14.5% ، البرازيل 14%.

–         أما علي مستوي الدول المتقدمة نجد الضرائب تمثل 34% في الدانمارك ، 27.5% في السويد، 25.3% في المملكة المتحدة ، 24.7% في فرنسا وايطاليا ، 24.1% في هولندا ، 17.3% في بولندا ، 13.8% في إسبانيا.

لذلك تشكل الضرائب العامة حوالي ثلث أو ربع الموارد في العديد من دول العالم بينما في مصر نجدها في حدود 14% فقط وهو ما يضطر في ظل ضعف الصادرات المصرية نتيجة أزمات الزراعة والصناعة أن تكون الديون هي البديل لتمويل الموازنة وهي كارثة ممتدة المفعول علي الجيل الحالي والأجيال القادمة.

تقسيم الضرائب في مصر

يفترض أن تأخذ الضرائب من الاغنياء أكثر وممن الفقراء أقل لكي تخلق توازن .لكن في مصر الوضع مختلف بأرقام الموازنة.

تنقسم الايرادات الضريبة 983 مليار في مشروع الموازنة إلى ضرائب مباشرة وهي الضرائب علي الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية وتبلغ 370.3 مليار جنيه وهي تمثل 37.7% من الإيرادات الضريبية، الضرائب غير المباشرة والتي يتحملها الجميع بما فيهم الفقراء وتبلغ قيمتها في المشروع 612.7 مليار جنيه وهي تمثل 62% من الإيرادات الضريبية وهي التي تعمق الفقر وغياب العدالة.

الضرائب المباشرة علي دخول الأفراد

تنقسم الضرائب المباشرة علي دخول الأفراد والأرباح إلي أربع مجموعات هي :

المجموعة الأولي – الضرائب علي الأجور والمرتبات وتبلغ 93.1 مليار جنيه وتمثل 25% من ضرائب الدخل.

المجموعة الثانية – الضرائب علي دخول الأفراد بخلاف التوظيف وتبلغ قيمتها 54.8 مليار جنيه وهي تشمل المنشآت الفردية والمنشأت الصغيرة التجارية والصناعية وكذلك المهن الحرة التي تشمل المهندسين والأطباء والمحاميين والفنانين ولاعبي الكرة إضافة الي ضرائب علي الفائدة من السندات. وتمثل ضرائب الأفراد 14.8% من ضرائب الدخل .

المجموعة الثالثة – الضرائب علي الأرباح الرأسمالية وهي قيمة متواضعة وتقدر بنحو 2.1 مليار جنيه وتمثل أقل من 1% من الإيرادات الضريبة علي الدخول رغم انها تشمل الضرائب العقارية والضريبة علي توزيعات الأرباح.

المجموعة الرابعة – الضرائب علي أرباح شركات الأموال وتبلغ 220.3 مليار جنيه تمثل 59.5% من إجمالي ضرائب الدخل في مصر.

غرائب وطرائف ضرايب الدخل في مصر ( من الذي يدفع الضرائب )

–         يدفع العمال والموظفين ضرايب أجور ومرتبات تبلغ 90.4 مليار جنيه بعد أن كانت 40.9  مليار جنيه عام 2017/2018.

–         تبلغ ضريبة المهن غير التجارية او المهن الحرة 4.8 مليار فقط اي كل الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين والفنانين ولاعبي الكرة الذين يتقاضون الملايين لا يدفعون الا هذا المبلغ وبما يؤكد علي أهمية تغيير القانون وتشديد اجراءات التحصيل.

–         يدفع اصحاب المنشآت الفردية والصغيرة وشركات الأشخاص التجارية والصناعية حوالي 50 مليار جنيه بينما يدفع العمال والموظفون وحدهم 91.4 مليار جنيه. وهذا أول خلل ظاهر في الموازنة.

–         إضافة لما سبق فإن العمال والموظفين وحدهم أجورهم معروفة ومحددة ويتم الخصم شهرياً من الأجر ولا يوجد فيها تهرب ضريبي بل أن الحساب الختامي يوضح أن المتحصل منها اكثر من 100% بينما المتحصل من المهن غير التجارية والنشاط التجاري والصناعي أقل من المستهدف في الموازنة.

–         باستخدام بيانات الحساب الختامي 2017/2018 ومقارنته بالمستهدف في الموازنة لضرائب الأجور والمرتبات 37.4 مليار جنيه بينما المحصل الفعلي بلغ 40.9 مليار جنيه وضرائب المهن غير التجارية كان تقدير الموازنة 1.8 مليار جنيه والمحصل الفعلي 1.6 مليار جنيه ، والمقدر لضرائب النشاط التجاري والصناعي 23.6 مليار جنيه والمحصل الفعلي 16.8 مليار جنيه فقط ..

–         المستهدف من ضرائب علي شركات الأموال المساهمة 65.2 مليار جنيه والمتحصل الفعلي 60.8 مليار جنيه.

–         وفقا للنظام الضريبي الحالي لا يدفع الضرائب الا العمال والموظفين ونسب تحصيل ضرائبهم تفوق الموازنة لكن باقي ضرائب الدخل يكون الحساب الختامي اقل من المستهدف في الموازنة. العمال والموظفون فقط لا يتهربون من الضرائب وليس لديهم ادارات مالية تقنن تهربهم واعفائهم الضريبي.  

–         ضرائب أرباح شركات الأموال في موازنة 2021/2022 تقدر بنحو 220.3 مليار جنيه منها 75.6 مليار جنيه تدفعها شركات هيئة البترول وهيئة قناة السويس وتبلغ 75.6 مليار جنيه تمثل 34.3% من ضرائب شركات الأموال ويدفع القطاع الخاص الكبير كله 144.7 مليار جنيه .

نخلص من تحليل بيانات ضرائب الدخل أن غالبية الفئات تتهرب من سداد الضرايب كما أن التشريعات الضريبية تعاني قصورًا شديدًا في محاسبة أصحاب المهن غير التجارية وتتعسف تجاه أصحاب المشروعات الصغيرة رغم ادعاءات دعمهم ومساندتهم.

سعر ضرائب الدخل والشركات في العالم

أعلي سعر للضريبة علي الدخل في مصر لم يتجاوز 25% فقط..واذا بحثنا عن سعر ضرائب الدخل في عدد من دول العالم نجد الآتي :

–         تبلغ الشرائح العليا لضرائب الدخل في ساحل العاج 60% وفي فنلندا 59.6% وفي اليابان 55.9%، وفي السويد 52.9% وفي اسرائيل 50% وفي اسبانيا 47% وفي الصين وفرنسا والمانيا وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة 45%، وفي تشيلي وغينيا وموريتانيا 40% وفي الولايات المتحدة 37% وفي الجزائر والأرجنتين واثيوبيا والمكسيك والفلبين وتايلند 35% بينما في مصر 25% فقط أليست هذه دول رأسمالية ؟ لماذا لم يؤدي ذلك لهروب المستثمرين؟!

–         أما ضرائب الشركات فتبلغ 35% في كل من غينيا والعراق وزامبيا ، 34% في البرازيل وفنزويلا ، 30% في اليابان والمانيا بينما لا تزيد في مصر علي 22.5%.

نحتاج إلى اصلاح ضريبي كبير

نعم نحتاج إلى اصلاح يضمن تحقيق العدالة الضريبية ويشمل :

1.  تعديل قانون الضرائب وفرض ضرائب تصاعدية علي الدخل يمكن ان تصل الي 40% علي دخول الأفراد ، 35% علي دخول الشركات.

2. تعديل القانون فيما يخص المهن غير التجارية وتشديد عقوبات التهرب الضريبي لهم ورفع كفاءة التحصيل .

3. فرض ضريبة على الثروة على المليونيرات الذين تزيد ثرواتهم على 100 مليون جنيه بحيث لا تقل عن 3% سنوياً.

4. تعديل قانون الضرائب العقارية وفرض ضريبة سنوية علي الشاليهات السياحية والشقق السكنية المغلقة وتطوير مصلحة الضرائب العقارية لرفع قدرتها علي تنفيذ القانون وحصر ومحاسبة الحالات.

5. فرض ضرائب علي تعاملات البورصة وحوافز لجذب الاستثمار وتخفيض المضاربات والأموال الساخنة.

6. رفع حد الإعفاء الضريبي إلى 48 ألف جنيه سنوياً (4 الآف جنيه شهرياً) وتدرج ضرائب الدخل لتصل إلى 40% .

7. تطوير وتسهيل إجراءات المحاسبة الضريبية للمنشآت الصغيرة بحيث لا يصبح القانون سيف علي رقاب المنتج والتاجر الصغير بل حافز للانتظام والسداد ومنح تسهيلات ومزايا لهذه المشروعات.

إن تطوير النظام الضريبي والتأكيد علي توفير شروط العدالة الضريبية وتقليل التهرب الضريبي هو خطوة علي طريق زيادة الحصيلة الضريبية لتمويل الموازنة مع المزيد من الاعتماد علي ضرائب الدخل وتخفيض شرائح الضرائب غير المباشرة التي تعمق التفاوت وتزيد العبء علي كاهل الفقراء. نريد نظام ضريبي كفء وفعال يحقق العدالة الضريبية ويكون خطوة علي طريق العدالة الاجتماعية.

إلهامي الميرغني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *