أمير متى يكتب: محمد محمود.. ليست مجرد صدامات في شارع

تحل ذكري أحداث شارع محمد محمود في قلب ذكريات الثورة المصرية، وذكري وقوف الكتاتني يقول (مافيش في الداخلية خرطوش). كأول خيانة واقعية وعملية للاخوان للثورة المصرية.

كان خروج الجماهير في كل الربوع المصرية من أسوان إلي الاسكندرية في ٢٥ يناير أعتراضا علي سياسات مفلسة وعاجزة عن إدارة الدولة بالإضافة إلى فساد مستشري من القاعدة إلى القمة. كانت نتيجة الثورة إزاحة مبارك ونظام حكمه من رأس الهرم الإداري في مصر، تاركا كتله صلبه رافضة للتغير متمثله في مؤسسات وشركات وأفراد تتحقق فائده من استمرار نظام دكتاتوري. كان منطقيا لاستيعاب صدمة إزاحة النظام والعمل علي إعادة الصفوف مرة أخري و إعاده بناء الداخلية بسرعة لمقاومة امتداد التغير داخل المؤسسات ذاتها.

كان أول المحاولات هو قيام أمن الدولة بمحاولات للإفلات من التغييرات عن طريق تغير أسمه من أمن الدولة إلى أي أسم آخر وعندما فشلت الخطة وترددت أنباء عن أقالة وزير الداخلية محمود وجدي قام حسن عبد الرحمن (مدير الجهاز) بإصدار أوامر بحرق كل الأوراق التي تدين رجال أمن الدولة سواء بالقتل أو التعذيب داخل مقار أمن الدولة (كل هذا دون أن يحدث أي هجوم علي المقار أمن الدولة) وعندما أكتشف الجيران حرائق متصاعدة تم إبلاغ الجيش واقتحام المقار للحفاظ علي المقار والأوراق الرسمية.

ثم تأتي أحداث محمد محمود، فهجوم الداخلية لفض اعتصام سلمي في التحرير، وأحداث محمد محمود بعد شهر واحد من رفضهم فض تظاهرة الاقباط يوم ٩ أكتوبر دليلا أن الأمر ليس سوي حفاظا علي الكتلة الصلبة الرافضة للتغير الديمقراطي في مصر. فقتلت في ٣ أيام ٤٥ مواطنا في شارع محمد محمود ليس بحجة الحفاظ علي الداخلية، و لكنها حفاظا علي استعادة قوة الداخلية لفض التظاهر والاحتجاز غير القانوني.

فنجاح محمد محمود سوف يؤدي بالطبيعة إلي تغير هيكل وزارة الداخلية، وهذا يضرب بعمق في أسس الدكتاتورية في مصر. فعلي خلاف الجيش الذي لم يتدخل في السياسة قبل عام ٥٢، فالداخلية تتدخل فالسياسة وتؤيد الدكتاتورية من أيام أسرة محمد علي.

يظهر هذا بوضوح أنه بمجرد رحيل الاخوان عن السلطة، ظهر جليا عودة الداخلية لنظام العمل القديم، فتم أعتقال المعارضين، وحبس احتياطي، وتدوير قضايا. فثقافة العمل داخل الوزارة لم تتغير. لا قبل ٥٢، و لا بعد ٥٢، و لا بعد ٢٥ يناير. الثقافة الثابته تتلخص في تأييد الحاكم (مهما كان)، ومحاربة المعارضة مادام الحاكم يضمن للداخلية الافلات في العقاب.

فليست القضية هنا تتلخص في استشهاد ٤٥ مواطنا علي أيدي الداخلية، ولا فقط وقوف الاخوان بجانب الداخلية ورفضهم إدانتها، بل يتعد الأمر هذا بكثير. فأحداث محمد محمود كانت بمثابة محاولة لتغيير ثقافة العنف ضد الشعب، ورفض الأجهزة التغير بكل السبل المتاحة. فعندما طرح فكرة إحلال الداخلية بجهاز جديد البنية والثقافة، رفضت الفكرة قبل أن تبدأ وصيغت حولها كل الأسباب حتي لا تنفذ. فإحلال الداخلية يعني أن المدافع الاول عن الثقافة الديكتاتورية يتم إحلاله، وخلفه عدد ضخم من بيئة تحتية (بلطجية، ومال سياسي، وأعضاء سابقين بالشعب والشوري) بلا مدافع عنهم.

حتي الاخوان كانوا يدركون أهمية الداخلية بالنسبة لهم، ودورها في قمع الشعب، فكان رئيس مجلس الشعب (سعد الكتاتني، والذي سبق واعتقلته الداخلية عدة مرات) يقف بنفسه مدافعا عن عنفها وقتلتها ٤٥ مواطنا في ٣ أيام. فالداخلية إذا تم تطويعها أصبحت حجر أساس لديكتاتورية دينية في ظل الاخوان.

أخيرا، في التحولات الديمقراطية تكون الاحداث والاشتباكات ظل لصراع خفي بين دولة ديكتاتورية قديمة وحلم يريد الخروج من العقول إلي أرض الواقع. فكانت أحداث محمد محمود أحد أهم تلك اللحظات في تاريخنا الحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *