أحمد سعيد يكتب: أحلام بسيطة لكن ممنوعة في مصر
(1)
كل ما تتمناه ليلى استعادة أبناؤها لحياتهم الطبيعية،
وما تُريده ميرنا وملك وفارس ومالك هو حضن أبيهم،
أما وفاء ذات الست سنوات فتحتاج لحظة دافئة مع والدتها،
أليست هذه أحلام بسيطة؟ فلما هي بعيدة المنال؟ ولما حبس الأبرياء وسرقة سنوات عمرهم أمرًا “عاديًا” في مصر؟!
(2)
قبل 134 يوما أنهى الناشط السياسي علاء عبدالفتاح فترة الحكم الصادر ضده بالسجن لمدة خمس سنوات، ومع ذلك لا زال قابعا خلف القضبان. تصمم السلطات المصرية على احتساب فترة السجن من تاريخ التصديق على الحكم في 3 يناير 2022، وليس من تاريخ القبض عليه في 29 سبتمبر 2019، كما تجري العادة، مما يعني أنه ينبغي أن يبقى في السجن حتى 3 يناير 2027. وكأن هذه السنوات الإضافية التي ستُسلب من عمره سويعات أو يٌمكن تعويضها!
في مواجهة هذا الظلم الذي يتعرض له علاء، لم تجد والدته الدكتورة ليلى سويف (68 عامًا) أستاذة الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة والناشطة السياسية في مجال حقوق الإنسان، سبيلا لرفع الظلم عن نجلها سوى بوضع حياتها على المحك والدخول في إضراب عن الطعام لعلها تنجح في انتزاع حق ابنها في الحرية بعد أن قضى 5 سنوات في السجن، تمثل مدة محكوميته.
لكن الأيام والأسابيع مرت، حتى تجاوز الإضراب أربعة أشهر، ولم يرَ حلم ليلى النور رغم بساطته: فقط خروج نجلها من السجن، وأن يستعيد أبناؤها الثلاثة علاء ومنى وسناء حياتهم الطبيعية وهي على قيد الحياة، لتقضي الباقي من عمرها معهم ومع أحفادها خالد ولانا.
ليلى صامدة حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولا زالت تناضل وهي في الثامنة والستين من عمرها من أجل حرية نجلها، لكنها باتت تقف على حافة الخطر والموت؛ والسؤال الذي يتردد في القلوب ويشغل البال الآن: هل يتحقق حلم ليلى قبل فوات الأوان؟.. هل يخرج علاء قبل أن تخبو شعلة ليلى أم أن هذا الحلم البسيط سيظل ممنوعا إلى أن نفقدها؟ يا لها من خسارة فادحة إن حدثت.
يا ليلى.. ربما لم نلتق. ولم تجمعنا نقاشات، وبالتأكيد لا تعرفين من أنا، لكن أود أن تعلمي أنك – في عيوننا – رمزا للنضال وأيقونة للمرأة المصرية؛ فلك يا ليلى السلامة.. وسلاما يا بلادي.
(3)
يقبع المصور الصحفي حمدي الزعيم في غيابات السجن رهن الحبس الاحتياطي دون محاكمة منذ أكثر من 4 سنوات على خلفية اتهامات مختلقة ومكررة. حينما تجاوز المدة القانونية للحبس الاحتياطي (24 شهرا) لم يرَ شمس الحرية بما يمثل مخالفة واضحة لنصوص الدستور والقانون.
جرى اعتقال الزعيم في 5 يناير 2021. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم حبسه، إذ أُلقي القبض عليه من أمام نقابة الصحفيين في 26 سبتمبر 2016 بينما كان يمارس عمله الصحفي. ورغم أنه لم يكن قد نشر شيئا إلا أنه لبث في السجن نحو عامين بتهمة “نشر أخبار كاذبة”.
وفي يونيو 2018 جرى إطلاق سراحه بتدابير احترازية كانت تجبره على الذهاب بشكل دوري إلى قسم الشرطة، وهو ما يعني أن حريته مقيدة منذ أكثر من ثماني سنوات بين حبس احتياطي ثم تدابير احترازية ثم السجن مجددا على ذمة القضية الجديدة المحبوس على ذمتها حاليا.
لدى الزعيم 4 أبناء؛ ميرنا وملك وفارس ومالك. وهو واحد من أصل 25 صحفيا على الأقل خلف القضبان على ذمة قضايا سياسية على خلفية اتهامات بموجب قانون الإرهاب الذي تستخدمه السلطات كوسيلة لقمع الصحفيين والقضاء على المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
ميرنا وهي أكبر أبناء الزعيم كانت طفلة في الثانوية العامة حينما ألقت السلطات القبض على والدها أول مرة في العام 2016، وتقف اليوم وسط المحكمة برداء المحاماة الأسود لتدافع عنه. أما ملك فكانت في المرحلة الإعدادية وهي الآن بالجامعة. وهناك فارس الذي كان في مرحلة رياض الأطفال، وحاليا في الصف الثاني الإعدادي. وأخيرا، مالك المولود عام 2017، أي بعد أشهر قليلة من “حبسة” والده الأولى وحاليا في الصف الثالث الابتدائي.
على مدار السنوات الماضية لم تنطفئ جذوة شوق ميرنا وملك وفارس ومالك إلى حضن أبيهم ولم تتوقف صلواتهم من أجل حريته. ورغم أن الأمل يبدو بعيد المنال خاصة مع قرار السلطات إحالة الأب إلى المحاكمة يناير الماضي، لكن الإيمان لا يزال يملأ قلوبهم بأن تنتهي هذه المحنة المريرة التي يعيشونها وأن يتحقق حلمهم بيوم يعود فيه أبيهم إليهم حرًا.
يا حمدي، مهما طال الانتظار، سأظل أكتب عنك وعن قضيتك ولن أتوقف حتى تنال حريتك.
(4)
تعتبر المدافعة عن حقوق الإنسان المترجمة والمدونة مروة عرفة، مثالًا صارخا على القمع الذي يطال النساء في مصر، إذ تتعرض لقائمة طويلة من الانتهاكات المستمرة يأتي على رأسها الإبقاء عليها تعسفيا في غيابات السجن لما يقرب من 5 سنوات؛ وهو ما يعد مخالفا لقانون الإجراءات الجنائية الذي ينص على أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي هي 24 شهرا.
لكن الجانب الأكثر إيلاما وقسوة في قصة مروة هو حرمان ابنتها وفاء ذات الست سنوات من حضن أمها منذ أبريل 2020. كانت وفاء تبلغ من العمر عام ونصف العام حينما جرى اعتقال مروة فتعرضت لصدمات نفسية جراء مشاهدتها واقعة القبض على أمها بينما كانت في حضنها. كما أصيبت بمرض التوحد لفقدانها حنان ورعاية الأم، بحسب تصريحات لوالدة مروة.
لم ترتكب مروة أي جريمة تستحق بسببها أن تواجه هذا المصير. ولا يوجد مبرر لتبقى كل هذه السنوات بالسجن. كما أن وفاء تحتاج إلى حضن أمها الدافئ.. أما آن الأوان لإنهاء هذه المعاناة وإطلاق سراح مروة لترعى ابنتها التي في أمس الحاجة إليها؟ كم نداءً ينبغي أن يُطلق وكم من الوقت يجب أن ننتظر حتى يتحقق هذا الحلم ولا يُخيل لنا أنه بعيد المنال؟
(5)
“نتخانق مع بعض.. نحبس بعض.. نسرق بعض (..) كل ده عادي وبيحصل وهيفضل يحصل”.. هكذا كتب الفنان صبري فواز عبر صفحته على “فيسبوك” في 31 يناير الماضي.
(6)
يقع على عاتق الفنان مسؤولية رفع مستوى الوعي حول قضايا حرية الرأي وحشد الدعم للمدافعين عن حقوق الإنسان، وإذا كان لا يدرك ذلك فهذه طامة ومصيبة كبرى؛ وفي كل الأحوال من غير المقبول والمؤسف أيضا أن يرى إنسان في حبس الأبرياء وسرقة سنوات عمرهم أمرًا “عاديًا”.
(7)
أخيرا..
كل ما تتمناه ليلى أن يستعيد أبناؤها حياتهم الطبيعية،
وما تُريده ميرنا وملك وفارس ومالك هو حضن أبيهم،
أما وفاء ذات الست سنوات فتحتاج لحظة دافئة مع والدتها،
أليست هذه أحلام بسيطة؟ فلما هي بعيدة المنال؟ ولما حبس الأبرياء وسرقة سنوات عمرهم أمرًا “عاديًا” في مصر؟!
أفرجوا عن علاء قبل فوات الأوان..
أفرجوا عن علاء قبل أن نفقد ليلى..
أفرجوا عن حمدي الزعيم من أجل ميرنا وملك وفارس ومالك..
أفرجوا عن مروة عرفة من أجل وفاء
أفرجوا عن شريف الروبي، ومحمد أكسجين، وعبدالمنعم أبو الفتوح، وهدى عبدالمنعم، وأشرف عمر، ومحمد القصاص، ودنيا سمير، وأحمد عماشة، وخالد ممدوح، وأحمد سبيع، وإبراهيم متولي، وبدر محمد، وجلال البحيري، وأحمد عرابي، ونرمين حسين، ومحمد سعيد فهمي.
كفى ظلما. كل أحلامنا يمكن أن تتحقق.. أفرجوا عن جميع المحبوسين على ذمة قضايا الرأي.